وتقوى هردر في إيمانه بأن واجب الشعراء أن يهجروا الدعوة الفنكلمانية، اللسنجية لتقليد الكلاسيكيات اليونانية، وأنه أخلق بهم أن يتشبثوا بالمنابع الشعبية لتقليد أمتهم في الشعر الفولكلوري والتاريخ القصصي الغنائي.
وانتقل هردر مع الأمير إلى دارمشتات، فالتقى بجماعة "الحساسيين" فيها. وراقه إعلاؤهم شأن العاطفة، وخص بالتقدير عواطف كارولينية فلاخسلاند، الأت اليتيمة لزوجة عضو المجلس الخاص أندرياس فون هسي، ودعي هردرللوعظ في كنيسة محلية، فسمعته، وتأثرت بوعظه، وتمشيا معاً في الغابات، وتلامست أيديهما، فانعطف قلبه، وعرض عليها الزواج ولكنها نبهته إلى أنها تعيش على صدقة أختها، وأنها لن تستطيع أن تدفع له مهراً، ورد هو بأنه مثقل بالدين، وأن المستقبل أمامه غامض جداً، وأنه ملتزم بمرافقة الأمير. وتعاهدا بألا تكون خطبة رسمية، ولكنهما اتفقا على تبادل الحب بالرسائل. ثم رحلت جماعته إلى مانهايم في ٢٧ أبريل ١٧٧٠.
فلما وصلوا إلى ستراسبورج ترك هردر الأمير رغم شوقه لرؤية إيطاليا. ذلك أن الناسور الذي في غدته الدمعية سد القناة الدمعية الموصلة إلى المنخر فأصابه بألم لا يهدأ. ووعده الدكتور لوبشتين أستاذ أمراض النساء في الجامعة بأن الجراحة ستزيل الانسداد في ثلاثة أسابيع. واستسلم هردر، دون مخدر، للثقب المتكرر لقناة خلال العظم إلى ممر الأنف. ولكن الجرح بدأ يتلوث، وظل هردر ستة أشهر تقريباً حبيس حجرته في الفندق وقد فت في عضده فشل الجراحة، وران عليه اكتئاب بسبب شكوكه في مستقبله. في هذه الحالة النفسية من المعاناة والتشاؤم، التي بجوته (٤ سبتمبر ١٧٧٠). ويذكر جوته هذه الفترة فيقول "أتيح لي أن أحضر الجراحة وأن أكون نافعاً في نواحي كثيرة"(٦٤). وقد ألهمه رأي هردر القائل بأن الشعر ينبثق غريزياً في الشعب، لا من "بضعة رجال مهذبين مثقفين"(٦٥). وحين رحل هردر وقد نفد ما معه من مال، "اقترض جوته مبلغاً من أجله" رده هردر فيما بعد.