ثم قبل على مضض دعوة من الكونت فلهلم تسوليبي، حاكم إمارة شاومبورج-ليبي الصغيرة في شمال غربي ألمانيا، ليعمل واعظاً لبلاطه ورئيساً للمجلس الكنسي في عاصمته المتواضعة بوكيبورج. وفي أبريل ١٧٧١ غادر هردر استراسبورج، وزار كارولينه في دارمشتات وجوته في فرانكفورت، ووصل إلى بوكيبورج في الثامن والعشرين. فوجد الكونت حاكماً "مستبداً مستنيراً" من طراز إداري صارم، أما المدينة فكانت قروية في كل شيء إلا الموسيقى، التي كان يحسن تزويدها بها يوهان كريستوف فريدريش باخ، وراض هردر نفسه عن الانفصال عن التيار الرئيسي للفكر الألماني، ولكن الكتب التي أصدرها في مكانه الصغير أثرت تأثيراً قوياً في ذلك التيار، وأسهمت في تشكيل الأفكار الأدبية للحركة الزوبعية. وقد أكد للكتاب الألمان أنهم إن التمسوا الإلهام في جذور الأمة وحياة الشعب فسوف يأتي الوقت الذي يبزون فيه الفرنسيين كل ما حققوه. وقد تحققت هذه النبوءة في الفلسفة والعلم.
وقد ظفر بحثه في أصل اللغة (١٧٧٢) بالجائزة التي قدمتها أكاديمية برلين عام ١٧٧٠. ومع أن هردر كان يجهر بتدنيه مخلصاً، إلا أنه رفض الفكرة التي تزعم أن اللغة من صنع الله وحده؛ وقال أنها من صنع البشر، وأنها نتجت طبيعياً من عمليات الإحساس والتفكير. وألمع أن اللغة والشعر كانا واحداً باعتبارهما تعبيرين عن الانفعال، وأن الأفعال، المعبرة عن الفعل، كانت أول أقسام الكلام". وفي مجلد آخر سماه "فلسفة أخرى مضافة إلى فلسفات التاريخ" (١٧٧٤) عرض التاريخ على أنه "الفلسفة الطبيعية للأحداث المتعاقبة" فكل حضارة هي وجود بيولوجي له مولده وشبابه ونضجه وانحلاله وموته؛ ويجب أن تدرس من وجهة نظر عصرها، دون تحيزات مبنية على بيئة وعصر آخرين. وقد أعجب هردر إعجاب الرومانتيكيين عموماً بالعصور الوسطى لأنها زمان الخيال والوجدان، والشعر والفن الشعبيين، والبساطة والسلام الريفيين؛ وعلى نقيض ذلك كانت أوربا بعد النهضة عبارة عن عبادة للدولة، وللمال، وللترف الحضري، وللتكلف والافتعال، وللرذيلة. وانتقد التنوير لأنه عبادة لوثن العقل، وقارن بينه وبين ثقافات