وفي ١٧٨٨ عرضت الأكاديمية البافارية جائزة لأفضل مقال "في آثار الشعر في عادات الأمم وأخلاقها". وفاز مقال هردر ونشرته الأكاديمية في ١٧٨١. وقد تتيع المقال ما رآه المؤلف تدهوراً للشعر بين العبرانيين واليونان والأوربيين الشماليين، من التعبير الملحمي المبكر عن التاريخ والمشاعر والأفكار الشعبية في إيقاعات طليقة فياضة، إلى تدريب "مصقول" ومدرسي، بعد المقاطع، ويلوي القوافي، ويقدس القواعد، ويضيع حيوية الشعب وسط مظاهر الافتعال المميتة التي تشوب حياة الحضر. وزعم هردر أن النهضة الأوربية قد انتزعت الأدب من الشعب وحبسته بعيداً في قصور الملوك والأمراء، وأن الطباعة قد أحلت الكتاب محل المنشد الحي. وفي مقال آخر "في روح الشعر العبري"(١٧٨٣) اقترح هردر قراءة سفر التكوين على أنه شعر لا علم، وكان قد تمكن من العبرية بجهده الخاص؛ وألمع إلى أن شعراً كهذا يستطيع أن يحمل بالرمزية من الحقيقة قدر ما يحمله العلم بـ "الواقع".
ولقد كافح إيمانه الديني للصمود رغم سعة إطلاعه على الكتب العلمية والتاريخية. ففي عامه الأول في فايمار اشتبه بعضهم في أنه ملحد، حر الفكر، سوسيني، صوفي (١٨). وكان قد قرأ أجزاء "مخطوطة فولفنبوتل" لريماروس، التي نشرها ليسنج، وتأثر بها تأثراً كفى لتشكيكه في لاهوت المسيح (١٩). ولم يكن ملحداً، ولكنه وافق على وحدة الوجود التي قال بها سبينوزا. قال لياكوبي في ١٧٨٤ "لست أتبين إلهاً من وراء العالم المادي"(٢٠) وقد حذا حذو ليسنج في دراسة سبينوزا والدفاع عنه، "يجب أن أعترف أن هذه الفلسفة تسعدني جداً"(٢١). وقد كرس لسبينوزا الفصول الأولى من رسالة عنوانها "أحاديث عن الله"(١٧٨٧)، ففي هذا البحث فقد الله صورته الذاتية وأصبح قوة الكون وروحه، الذي لا سبيل إلى معرفته إلا في نظام العالم والوعي الروحي للإنسان (٢٢). على أن هردر في دراساته الموجهة إلى الأكليروس قبل الصفقة الخارقة لمعجزات المسيح، وخلود النفس (٢٣).
ثم جمع العناصر المتفرقة لفلسفته وجعل منها كلاً منسقاً نسبياً في رائعة ضخمة سماها في تواضع "أفكار نحو فلسفة في تاريخ الإنسان"، وهي