وحقق هردر فيما بين الجزئين الثالث والرابع من "الأفكار" حلمه الذي طال تأجيله برؤية إيطاليا. ذلك أن يوهان فريدريش هوجو فون ذالبرج، المستشار الكاثوليكي الخاص لرئيس أساقفة تريير الناخب، دعا هردر ليصحبه في رحلة كبرى تدفع لها فيها كل نفقاته. وأذن له دوق ساكسي-فايمار، وكارولينة، بالغياب؛ فغادر فايمار في ٧ أغسطس ١٧٨٨. فلما لحق بدالبرج في أوجزبرج وجد أن خليلة دالبرج عضو هام في الجماعة. واجتمع على هردر وجودها ومطالبها، وسوء صحته، لتنغص عليه رحلته. وفي أكتوبر وصلت آنا أميليا إلى روما. فترك هردر دالبرج وانضم إلى بطانتها. وقد استلطف أنجليكا كاوفمان استلطافاً أكثر مما ترضى عنه كارولينة، وأسرفت رسائل كارولينة في الكلام عن جوته والميل إليه. وعاد هردر لدغه، وكان قد سمع أنباء عن حياة جوته في روما. وكتب يقول "إن رحلتي هنا كشفت لي لسوء الحظ عن حياة جوته الأنانية على نحو أوضح مما كنت أتمنى، وهي حياة في صميمها لا تعبأ بالغير على الإطلاق. إنه لا يملك غير هذا، فلندعه، وشأنه إذن .. "(٢٦).
وعاد إلى فايمار في ٩ يوليو ١٧٨٩. وبعد خمسة أيام سقط الباستيل، وغير هردر خططه في التأليف. فأكمل الجزء الرابع من "الأفكار"، ثم نحى الكتاب جانياً، وكتب بدلاً منه "رسائل لتقدم الإنسانية (١٧٩٣ - ٩٧). وقد بدأها بتقريظ حذر للثورة الفرنسية، ورحب بانهيار الإقطاع الفرنسي، ولم يذرف دموعاً على علمنة الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا (٢٧)، وحين انطلق الدوق وجوته لمواجهة الفرنسيين عند فالمي، وعادا يجرران أذيال الهزيمة، حبس هردر هذه "الرسائل" الأولى، وخصص الباقي للثناء على الموتى من العباقرة الذين لا خوف من الثناء عليهم.
ولم يفقد في يخوخته من لذة الصراع الفكري. فقابل نقد كانط لكتاب "الأفكار" بهجوم حاد على "نقد العقل الخالص". ووصف الكتاب بأنه تلاعب رهيب بالألفاظ الميتافيزيقية الأشباح، مثل "الأحكام التركيبية القبلية"، وأنكر ذاتية المكان والزمان، واتهم كانط بأنه أعاد إلى علم النفس فكرة الملكات، التي زعم الفلاسفة