بعد، وأضافت إلى مجمع آلهة الصين عدداً من اللوهان والأرباط- وهم ثمانية عشر من أتباع بوذا الأولين- المتأهبين في كل حين لأن يهبوا الناس بعض ما لهم من فضائل لكي يساعدوا بني الإنسان الحيارى المعذبين.
ولما ألفت الصين نفسها بعد سقوط أسرة هان مقطعة الأوصال من جراء ما سادها من فوضى سياسية، وخيل إلى أهلها أن حياتها نفسها قد قضى عليها اضطراب حبل الأمن وتوالي الحروب، ولت الأمة المعذبة وجهها شطر البوذية كما ولَّى العالم الروماني وجهه في ذلك الوقت نفسه شطر المسيحية. وفتحت الدوية ذراعيها لاحتضان الدين الجديد وامتزجت به على مر الزمان في نفوس الصينيين امتزاجاً تاماً؛ وأخذ الأباطرة يضطهدون البوذية والفلاسفة يشكون مما فيها من خرافات، وأخذ الساسة يأسفون لأن طائفة من خير أبناء الصين قد انزوت في الأديرة وعقمت فأضحت لا تفيد منها البلاد شيئاً. لكن الحكومة وجدت آخر الأمر أن الدين أقوى من الدولة؛ فتصالح الأباطرة مع الآلهة الجدد؛ وأجيز للكهنة أن يجمعوا الزكاة ويشيدوا الهياكل، ورضيت طبقتا الموظفين والعلماء على الرغم منهما أن تبقى الكنفوشية ديناً أرستقراطياً لها. واستولى الدين الجديد على كثير من المزارات القديمة وأقام رهبانه وهياكله إلى جانب رهبان الدوية وهياكلها على تاي- شان جبلها المقدس، وحث الناس على أن يحجوا إلى هذه الهياكل مراراً كثيرة إظهاراً لورعهم وتقواهم، وكان له أثر عظيم في ازدهار فنون التصوير والنحت والعمارة والآداب وتقدم الطباعة ورقي كثير من طباع الصينيين، ثم اضمحل كما اضمحلت الدوية، فدب الفساد في نفوس كهنة الديانة الجديدة وتغلغل في عقائدها على مر الأيام كثير من الأرباب المشئومين والخرافات الشعبية المؤذية، وقضى على ما كان لها من سلطان سياسي- لم يكن كبيراً في يوم من الأيام- نهضةُ الكنفوشية على يد جوشي. والآن قد هجرت هياكلها ونضب معين مواردها وأضحت وليس لها عُبّاد إلا كهنتها الفقراء المعدمون (٨٦).