ولكن التلازم بين الشاعرين يتضاءل في النهاية: فتاسو لا يبدي شيئاً من قدرة جوته على السباحة في نهر العالم، فيغرق في مملكة أحلامه ويضرب بالحذر واللياقة عرض الحائط، ويحتضن الأميرة المذهولة بين ذراعيه، ويجن جنونه حين تنتزع نفسها من ضمته ومن حياته. ولعل جوته أحس بأنه كان قد وقف على شفا هذا الجرف.
وكثيراً في إيطاليا ملاذاً يعتصم به من موقف يهدد سلامة عقله. وفي نحو هذه الفترة في الصيغة الأولى لـ "فلهلم مايستر" نظم لمينون أغنية شوق ولهفة تلائم آماله أكثر من آمال مينون:
أتعرف البلد الذي تزهر فيه أشجار الليمون، حيث تتوهج ثمار البرتقال الذهبية في الأوراق الداكنة، حيث يهب النسيم العليل من السماء الزرقاء، حيث تقوم شجرة الآس المطمئنة وشجرة النار السامقة حيث تقوم شجرة الآس المطمئنة وشجرة الغار السامقة أتعرفه جيداً؟ هناك! هناك! أشتهي يا حبيبتي أن انطلق معك!
لقد كانت فايمار جميلة، ولكنها لم تكن دافئة. ثم إن هموم المنصف كدرت روح الشاعر، "أنها لوسيلة مرة من وسائل كسب القوت أن يضطر المرء إلى محاولة خلق التناغم والانسجام بين نشازات العالم"(٥٧). وقد أضنته حياة البلاط، "ليس بيني وبين هؤلاء القوم ولا بينهم وبيني شيء مشترك يربطنا"(٥٨). وكانت قد وقعت بعض الجفوة بينه وبين الدوق لعجزه عن مسايرة خطى الدوق في الصيد والغزل، وغرامه الكبير الوحيد قد براه الزمن وكثرة الشجار. فأحس أنه لا بد له من التحرر من هذه الأصفاد الكثيرة، والبحث عن اتجاه ونظرة جديدين. فطلب إلى الدوق أن يمنحه إجازة، فاستجاب الدوق، ووافق على أن يواصل دفع راتب جوته. ورغبة في توفير مبلغ إضافي من المال باع جوته لجوشن، الناشر الليبزجي، حق نشر طبعة من مجموعة مؤلفاته. ولم يبع جوشن إلا ٦٠٢ نسخة، فخسر ١. ٧٢٠ طالر في هذه المغامرة.