والفن اليونانيين فقط-تمجيد الشكل والقصد، وكان الآن يتجاهل تلك النشوة "الديونيسية" التي لونت الخلق والدين والحياة اليونانية تلويناً دافئاً جداً، والتي أعربت في جوته ذاته عن نفسها خلال "قرينه" وغرامياته.
في هذا الوجد الكلاسيكي أعاد كتابة "افجيني في تاوريس" شعراً (١٧٨٧)، واعتزم أنه ينافس راسين، لا بل يوربيديس نفسه. وإذ كان قلبه لا يزال محتفظاً بجمرات النار التي أضرمتها فيه شارلوته فون شتين، فقد سكب في أحاديث الأميرة اليونانية شيئاً من رقة البارونة الألمانية وتمالكها نفسها. وروى القصة القديمة جداً، بكل ما فيها من تعقيدات الميثولوجية والأنساب، وزاد من حدة الدراما بتصويره الملك السكوذي تصويراً متعاطفاً، وأقدم على تغيير الخاتمة لتتوافق مع الفكرة-النادرة بين اليونان-التي تزعم أن على الإنسان التزامات حتى للبرابرة (الهمج أو غير اليونان). ولا يستطيع تقدير إنجاز جوته حق قدره إلا الذين يقرءون الألمانية بطلاقة، ومع ذلك قال ايبوليت تين، وهو رجل فرنسي، وناقد فذ، خبير على الأرجح بدرمات راسين:"إنني لا أفضل أي عمل أدبي حديث على درامة جوته افجيني في تاوريس"(٧٢).
وقد أحيت ذكريات شارلوته في هذه المسرحية، ثم في "تاسو""أكثر منها، اللتين أعاد كتابتهما في روما، شعوره من نحوها. لقد أصابها بجرح عميق هروبه المفاجئ إلى إيطاليا وتركه ولدها في عهده الخادم، فأعادت فرتز لفورها، وطالبت جوته برد كل الرسائل التي كتبتها له. فكتب معتذراً من روما (٨ و١٣ و٢٠ ديسمبر ١٧٨٦)، وبعثت إليه (١٨ ديسمبر) بتذكرة فيها لوم "حلومر" فكان رده (٢٣ ديسمبر) "ليس في طاقتي أن أصف لك كيف يدمى قلبي أنك مريضة، ومريضة بسبب غلطتي. فاصفحي عني. لقد صارعت أنا نفسي الموت والحياة، وما من لسان يقوى على النطق بما كان يعتمل في داخلي. "وأخيراً لانت. فكتب لها أول فبراير ١٧٨٧ "الآن أستطيع أن أنصرف إلى عملي وأنا أسعد مزاجاً لأنني تسلمت منك رسالة تقولين فيها أنك تحبين رسائلي وتبتهجين بها".