"وجدته تماماً كما توقعت. ولم يدهشني غير الرزانة والهدوء في رجل له هذه الحساسية الناشطة، ثم قدرته على الاسترخاء والتصرف بحرية في جميع الطروف. وما يسرني أكثر حتى من هذا هو بوساطة حياته. فكل ما طلبه مني كان في إعداد حجرة صغيرة يستطيع أن ينام فيها ويعمل دون إزعاج؛ ثم أبسط الطعام … وهو يجلس الآن في تلك الحجرة الصغيرة عاكفاً على قصة "افجيني" من الصباح الباكر إلى الساعة التاسعة. ثم يخرج لدراسة روائع الفن"(٦٥).
وكثيراً ما كان تيشباين مرشداً له في جولاته هذه، ورتب تزويده بما طلب من الرسوم، وحصل له على نسخ من الصور الأكثر شهرة. وقد رسم جوته بنفسه رسوماً تخطيطية للصور التي أراد تذكرها بنوع خاص. ثم جرب النحت، ونحت رأساً لهرقول. واعترف بأنه غير موهوب في الفنون التشكيلية، ولكنه شعر أن هذه التجارب تعطيه إحساساً أفضل بالشكل، وتساعده على تصور ما يريد وصفه (٦٦). ثم أكب على كتاب فنكلمان "تاريخ الفن القديم"، "هنا على الطبيعة أجده ثميناً جداً … والآن يستطيع عقلي في النهاية أن يتسامى إلى أعظم وأنقى إبداعات الفن في مأمن هادئ"(٦٧). "إن تاريخ العالم كله يربط نفسه بهذه القبعة، وأحسبني ولدت … ولادة جديدة صادقة منذ اليوم الذي دخلت فيه روما … أظنني تغيرت إلى الصميم"(٦٨). ويبدو أنه استمتع خلال ذلك بالفن الحي الذي قدمته الموديلان "اللذيذات" اللائي جلسن للمصورين في مراسمهم (٦٩). وأنهت إقامته في روما ذلك التخلص من النزعة الرومانتيكية الذي بدأ بمسئوليات المنصب. وبدأ الآن تمرد جوتز على القانون، ودموع فرتر، في نظر جوته الذي أخذ ينضج كأنها إمارات عقل غير متزن، "إن الرومانتيكية مرض، والكلاسيكية صحة"(٧٠). وقد كان في تحمسه الجديد للآثار الرخامية والأعمدة والتيجان والقواصر الكلاسيكية والخطوط النقية للتماثيل اليونانية مسحة رومانتيكية. "إذا شئنا حقاً نموذجاً نحتذيه، فعلينا دائماً أن نرجع إلى قدماء اليونان، الذين يتمثل في أعمالهم دائماً جمال الإنسان"(٧١). وقد رأى جوته، كلما رأى فنكلمان، الجانب "الأبوللوني "للحضارة