موتاً مبكراً حتى بعد أن تحظى بعرض أول يصفق له النظارة. فلعل كتاباً ناجحاً في التاريخ يكسبه من الشهرة العلمية ما يكفي للظفر بأستاذية في جامعة يينا. هناك لن يبعد عن فايمار بأكثر من أربعة عشر ميلاً، وسبقي في نطاق سلطة الدوق وكرمه.
وعليه، فبعد أن فرغ من "دون كارلوس" عكف على تأليف "تاريخ سقوط الأقاليم الواطئة المتحدة". وإذ كان لا يقرأ الهولندية، فقد اعتمد على مراجع ثانوية جمع من رواياتها تصنيفاً غير ذي قيمة باقية. وانتقد كورنر المجلد الأول (١٧٨٨) بأمانته المعهودة: "إن العمل الراهن، مع كل مزاياه، لا يحمل طابع تلك العبقرية التي أنت ميسر لها"(٨٩). وتخلى شيلر عن الكتاب، ولم يصدر مجلد ثان في موضوعه.
وفي ١٨ يوليو ١٧٨٨ عاد جوته من إيطاليا، وفي سبتمبر التقى بشيلر في ضاحية رود ولشتات. وكتب شيلر إلى كورنر يقول:"إن الفكرة العظيمة التي كونتها عنه لم تنقص مثقال ذرة … ولكنني أشك في أننا سنتقارب تقارباً وثيقاً يوما ما … إنه يسبقني بمراحل … فلا يمكن أن نلتقي على الطريق. وقد سارت حياته كلها من بدايتها في اتجاه معاكس لاتجاه حياتي. وعالمه ليس عالمي. وأفكارنا في بعض النقاط متعارضة تعارضاً تاماً"(٩٠). والحق أن الشاعرين كانا يبدوان وكأن العناية قصدت بهما أن يكره الواحد صاحبه. فجوته، ذو التسعة والثلاثين، قد وصل ونضج، أما شيلر، ذو التسعة والعشرين، فكان يتسلق ويجرب؛ ولم يتفقا إلا في الأنانية المتعالية. كان أصغرهما من غمار الشعب، رقيق الحال، يكتب الشعر القريب من الثورية؛ أما الآخر فكان غنياً، رجلاً ذا مكانة ومنصب مرموق، عضواً في المجلس الخاص يستنكر الثورة. وكان شيلر قد خرج لتوه من حركة "الزوبعية"؛ كان صوت الوجدان والعاطفة والحرية والرومانس؛ إما جوته، الذي تولع باليونان، فكان بكل ميوله مع العقل، والقصد، والنظام، والأسلوب الكلاسيكي. على أية حال ليس من الطبيعي في عالم المؤلفين أن يحب بعضهم بعضاً، فإنهم إنما يسعون للظفر بذات الجائزة.