رغبة عدد من الرجال الذين يقدرونك تقديراً بغير حدود في أن تشرف الدورية بمقالات من قلمك، يجمع الكل بصوت واحد على عظم قيمتها. ونحن نشعر يا صاحب السعادة بأن موافقتك على دعم هذا المشروع ستكون ضماناً لنجاحه" (١١٢). ورد جوته بأنه يسره المشاركة بمقالاته، وأنه "على ثقة من أن الاتصال الأوثق بالرجال الأصلاء الذين يؤلفون لجنتكم سيبعث حياة جديدة في كثير مما هو راكد الآن في باطني (١١٣).
وهكذا بدأ تراسل يعد من ذخائر تاريخ الأدب، وصداقة اتصلت إحدى عشرة سنة-حتى موت شيلر-فيها من تبادل الاحترام والعون ما ينبغي أن يدخل في تقديرنا للنوع الإنساني. روربم كان أكثر هذه الرسائل الباقية كشفاً-وعددها ٩٩٩ - هي الرسالة الرابعة (٢٣ أغسطس ١٧٩٤)، التي حلل فيها شيلر-بعد عدة لقاءات مع جوته جمعت بين المجاملة والصراحة وبين التواضع والاعتزاز بالنفس، الفوارق بين عقليهما. قال:
"إن أحاديثي الأخيرة معك حركت كل ذخيرة أملكها من الأفكار … فكثير من الأشياء التي لم أستطع أن أصل فيها إلى تفاهم خاص مع نفسي تلقت ضوءاً جديداً غير متوقع من تأملي لعقلك (فهكذا أسمي التأثير العام لأفكارك على) .. لقد أعوزني التجسيد لعدد من أفكاري التأملية، وأنت وضعتني على الطريق المفضي إليه. وأسلوبك الهادئ الواضح في النظر إلى الأشياء يعصمك من التيه في الطرق الجانبية التي كثيراً ما يشرد بي فيها تأملي وخيالي المستبد. إن حدسك الصائب يدرك كل الأشياء، ويدركها على نحو أكمل كثيراً مما ينشده المرء في عناء بالتحليل … وعقول كعقلك قل أن تعرف إلى أي حد بعيد نفذت وتغلغلت، وأنه ما من داع يذكر يدعوها للاستعارة من الفلسفة، التي لا تستطيع في الواقع إلا أن تتعلم منها … ومع أنني فعلت هذا على بعد، إلا أنني طالما راقبت المسار الذي سلك فيه عقلك .. أنت تبحث عن الضروري في الطبيعة، ولكنك … تنظر إلى الطبيعة بوصفها كلا حين تحاول جعل الضوء يلقي على أجزائها الفردية، أنت تبحث عن تفسير الفرد في جماع مظاهرها المتنوعة (١١٤).