للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"سميت الأستاذ والدكتور، وقضيت زهاء عشر سنوات وسط تلاميذي أخادعهم وأغرر بهم وأذهب بهم ذات اليمين وذات الشمال. ثم أرانا بعد هذا كله لم نزل عاجزين عن أن ندرك شيئاً أو أن نلم بشيء" (١).

وقد تبين أن البحر الرباعي التفاعيل، المنحدر من تمثيليات هانز زاكس القصيرة، هو الوزن المترقرق اللائق لدراما هذبت الفلسفة بالفكاهة.

وفاوست هو بالطبع جوته، حتى في كونه رجلاً في الستين، لم يزل كجوته ينتشي في الستين بحسن المرأة ورشاقتها. وتطلعه المزدوج إلى الحكمة والجمال هو روح جوته الضميم، وقد تحدى تطلعه الآلهة المنتقمة بوقاحته، ولكنه كان نبيلاً. لقد قال فاوست وجوته نعم للحياة، الروحية والحسية، الفلسفية والمرحة، وعلى النقيض من ذلك كان مفستوفيليس (وهو ليس إبليس بل فيلسوف إبليس فقط) شيطان الإنكار والشك، كل تطلع في نظره هراء، وكل حس إنما هو هيكل عظمي يكسوه جلد. وقد كان جوته في لحظات كثيرة هذا الروح الساخر أيضاً. وإلا لما استطاع أن يسبغ عليه هذا الذكاء وهذه الحياة. ويبدو مفيستوفيليس أحياناً صوت التجربة، والواقعية والعقل، يكبح رغبات فاوست وأوهامه الرومانسية، والحق، كما قال جوته لأكرمان "إن شخصية مفيستوفيليس … حصيلة حية لخبرة واسعة بالدنيا" (١٥).

وفاوست لا يبيع روحه بغير شروط، فهو لا يوافق على أن يقذف به في الجحيم إلا أن أراه مفيستوفيليس لذة فيها من الإشباع الدائم له ما يحبب له معايشتها إلى الأبد:

"لئن جاء اليوم الذي أرقد فيه على فراش الكسل والراحة، … فليكن ذلك اليوم آخر عمري! … ولو مرت بي لحظة من الزمن وكانت من الحسن بحيث قلت لها أن "لا تيرحي فما أحلاك! إذن فتهيئ لي سلاسلك وأغلالك … هنالك أرحب بالموت" … (٢)


(١) الترجمة للدكتور عوض محمد: فاوست: لجنة التأليف والترجمة والنشر ص (٧).
(٢) فاوست: د. محمد عوض محمد، ص ٥٨.