قد حركت مشاعر جوته؛ فالآن يستطيع أن يجعل بايرون، في شخص "يوفوريون"(ومعناه السعادة)، بن فاوست وهيلانة يمثل شفاء العقل العصري، الممزق الحائر، بفضل اتحاده مع جمال اليونان القديمة الهادئ. ومن ثم راح يكد ويكدح في ساعات الصباح، فلا يبلغ من ذلك غير صفحة واحدة على أحسن تقديره، حتى أفضى لأكرمان في أغسطس ١٨٣١، قبل موته بسبعة شهور، بأن المهمة المضنية قد تمت- بعد أن انقضت تسع وخمسون سنة على تصوره إياها أول مرة. وكان قد كتب يقول "أسعد الناس من استطاع وصل نهاية حياته ببدايتها"(٩١). وقال الآن "أياً كان مقدار ما بقي لي من الحياة ففي وسعي أن أعده منذ الآن منحة، ولست في الحق أبالي إن كنت سأنجز فوق ما أنجزت أم لا"(٩٢).
ولا يستطيع المرء أن يسترسل اليوم في قراءة كل الجزء الثاني من فاوست إلا في ثقة واطمئنان أعوام ثمانين. فابتداء من المنظر الافتتاحي الذي يصف فيه فاوست، بعد استيقاظه بين حقول الربيع، شروق الشمس ببلاغة لم تبل جدتها، تقف حركة القصة المرة بعد المرة للتغزل في الجمال الطبيعة أو التغني بعظمتها أو رهبتها؛ وقد أجاد المؤلف الوصف، ولكنه أسرف فيه؛ فجوته المبشر بالانضباط الكلاسيكي يأثم هنا ضد شعار "القصد في القول". ذلك أنه صب في الدراما كل شيء تقريباً تراكم بغير نظام في ذاكرته الجياشة: الميثولوجيات اليونانية والألمانية، ووليدا والبجعة، وهيلانة وركبها، والساحرات، والفرسان، والجنيات، والأقزام الحيوانات الخرافية، والأقزام البشرية، وحوريات الغاب، والسيرانات، ومقالات الجيولوجية "النبتونية"، والخطب الطويلة يلقيها الرسل، وألفيات بائعات الزهر، وحوريات الحدائق، والحطابون، - والمهرجون القصار السمان، والسكارى، وأتباع الفرسان، ووكلاء الإقطاعيين، والنظار، ثم سائق مركبة حربية وأبو هول، ومنجم وإمبراطور، وآلهة الحقول وفلاسفة، وكراكي أبيكوس، و "رجل قصير"(قزم) صنعه فجنر تلميذ فاوست كيميائياً. والخليط أشد تحيراً وإرباكاً من الدغل المداري،