رباط الحب، فوداعا لهما جميعاً وأنا أبكيهما في عذابي، وعلى صدرك أرتمي مرة أخرى، فتلقيني يا برسيفوني أنا وولدي. (تعانق فاوست؛ ويتلاشى جسمها وتبقى الثياب والنقاب بين ذراعيه)".
وهكذا يختتم الفصل الثالث، وهو أجمل فصول هذا الجزء الثاني من فاوست. وهو الجزء الذي بدأ جوته بكتابته، وسماه "هيلانة"، وظل حيناً يفكر فيه على أنه كل كامل قائم بذاته؛ ولو تركه كذلك لكان خيراً له. فهنا ارتفع جوته لآخر مرة إلى قمة شعره بجهد بطولي لاستنهاض ما بقي له من قوى، مازجاً الدراما بالموسيقى كما جرى اليونان على عهد بركليس، نافخاً الحياة والحرارة في شخوص قصة رمزية معقدة لشفاء العقل العصري.
ومن ذلك العلو الشاهق ينزلق الجزء الثاني من فاوست إلى حرب بين إمبراطور وغريم ينافسه على العرش الروماني المقدس. ويحقق فاوست ومفستوفليس بحيلهما السحرية النصر في الحرب للإمبراطور؛ ويطلب فاوست وينال جزاء له مساحات كبيرة من ساحل الإمبراطورية الشمالي، مضافاً إليه ما يسعه انتزاعه من الأرض من براثن البحر. وفي الفصل الخامس نرى فاوست وقد بلغ المائة سيداً على ملك شاسع، ولكنه لم يصبح بعد سيداً على نفسه. وذلك أن كوخاً لزوجين من الفلاحين هما فليمون وباوكيس يحجب المنظر من قصره؛ فيعرض عليهما بيتاً أفضل في موقع آخر، ولكنهما يرفضان؛ فيطلب إلى مفستوفيليس وعملائه أن يطردوهما؛ ولكنهم يلقون المقاومة، فيشعلون النار في الكوخ؛ ويموت الزوجان العجوزان رعباً. ولا يلبث فاوست أن تطوف به رؤى الأرواح المنتقمة. عجائز شمطاوات اسمهن الفقر، والذنب، والهم، والحاجة، والموت. وينفخ الهم في وجهه فيعميه. وتنتشله من اليأس فكرة فيها شيء من الإيثار؛ فيأمر مفستوفيليس وشياطينه بأن يقيموا السدود على البحر، ويجففوا المستنقعات، ويبنوا على الأرض الجديدة ألف بيت وسط الحقول الخضراء؛ ويتخيل هذه الأرض المنتزعة من البحر، ويشعر بأنه استطاع "مع شعب حر أن يقف على أرض حرة" لقال أخيراً لهذه اللحظة العابرة "لا تبرحي لأنك جميلة جداً" (٩٤). ويسمع أصوات الفؤوس والمعاول، فيظن