الجماعي جيلاً بعد جيل أو دواوين التفتيش أو المذابح المنظمة. وعرف فولتير هذا (٢)، وندد المرة بعد المرة باضطهاد المسيحيين لليهود، وأثنى على ما رآه في اليهود من "أسلبو في الحياة رزين منظم، ومن زهد، وكد" وأدرك أن اليهود الأوربيين أقبلوا على التجارة لأن حرمانهم من تملك الأرض "أعجزهم عن التوطن بصفة دائمة-أي مأمونة-في أي بلد"(٣). ومع ذلك فقد انقلب فولتير عدواً لليهود عداوة لا هوادة فيها. ذلك أنه تورط في معاملات غير موفقة مع رجال المال اليهود. فعند رحيله إلى إنجلترة حمل معه صكوكاً على المصرف اللندني "مديناً"، الذي أفلس أثناء ذلك وهو مدين لفولتير بعشرين ألف فرنك (٤). وفي برلين كلف ابراهام هيرش-كما أسلفنا-بشراء سندات هبطت قيمتها في سكسونيا، بقصد استيرادها (بطريقة غير قانونية كما حذره هيرش) إلى بروسيا ليسترد قيمتها هناك بربح يبلغ خمسة وستين في المائة (٥). وتشاجر الفيلسوف ورجل المال، واحتكما إلى القضاء، وانتهيا بالكراهية المتبادلة. وفي مقال فولتير عن "الأعراف" أطلق لحده العنان فوصف العبرانيين القدامى بأنهم "أمة حقيرة، وشعب من اللصوص، فظيع، رجس، ناموسه ناموس المتوحشين، وتاريخه نسيج من الجرائم ضد الإنسانية". (٦) واعترض قسيس كاثوليكي بأن هذا اتهام وحشي إلى حد مضحك (٧). ونشر يهودي برتغالي عالم يدعى إسحاق بنتو في ١٧٦٢ "تأملات" في نقد للفقرات المعادية لليهود والواردة في مقال بعنوان "اليهود" في القاموس الفلسفي؛ واعترف فولتير بأنه "أخطأ في وصم أمة بأسرها برذائل أفراد"، ووعد بحذف الفقرات المهينة في الطبعات القادمة؛ ولكنه غفل عن الوفاء بوعده (٨). وكان موقف الكتاب الفرنسيين عموماً ضد فولتير في هذا الأمر (٩). وتكلم روسو على اليهود بتعاطف مشرب بالفهم (١٠).
ولم يكن لليهود في فرنسا حقوق مدنية قبل الثورة، ولكنهم أنشأوا جماعات ناجحة وخرجوا زعماء ذوي نفوذ، اشترى أحدهم إقطاعية اشتملت على أميان؛ واستعمل حقه الإقطاعي في تعيين قساوسة الكتدرائية، فاحتج الأسقف، ولكن برلمان باريس أيد الإقطاعي اليهودي (١٧٨٧) واعترفت الحكومة الفرنسية شاكرة بمساعدة الماليين اليهود لها في حروب الوراثة