ألفه ياكوبي أنه صديقه العزيز ليسنج، والذي كان قد فارق الحياة، اتبع طويلاً عقيدة سبينوزا في وحدة الوجود، فلم يستطع أن يصدق الخبر، وكتب دفاعاً حاراً عن ليسنج عنوانه "إلى أصدقاء ليسنج". وفيما هو حامل المخطوط إلى الناشر أصيب بنزلة برد؛ وأثناء مرضه ذلك أصيب بسكتة دماغية أودت بحياته في ٤ يناير ١٧٨٦. واشترك المسيحيون مع اليهود في إقامة تمثال له في مسقط رأسه دسو.
لقد كان واحداً من أكثر الشخصيات تأثيراً في جيله. فقد خرج شباب اليهود من عزلتهم بعد أن ألهمتهم كتاباته وعبوره الناجح للفواصل الدينية، ولم يلبثوا أن تركوا بصماتهم على الأدب والعلم والفلسفة. فذهب ماركوس هرتس إلى جامعة كونجزبرج في طلب الطب؛ والتحق بعدة فصول دراسية لكانط، وأصبح المساعد والصديق لفيلسوف المعرفة العظيم. وهو الذي توقف في منتصف قراءته "نقد العقل الخالص" مخطوطاً مخافة أن يصاب بالجنون إذا مضي في القراءة إلى النهاية. فلما نقل إلى برلين، اشتغل بالطب وكثر زبائنه، وألقى محاضرات في الفيزياء والفلسفة على جمهور من المسيحيين واليهود. وافتتحت زوجته الجميلة المثقفة هنرييتا صالوناً كان في نهاية القرن ملتقى هاماً لمفكري برلين؛ وإليه اختلف فلهلم فون همبولت، وشلاير ماخر، وفريدريش شليجل، وميرابو الابن … ولعل اختلاط الأفكار الذي تمحضت عنه هذه اللقاءات ما كان ليسر مندلسون. فقد دخل عدد من أبنائه في المسيحية، واشترك ابنتان من بناته مع هنرييتا هرتس وغيرها في "رابطة للفضيلة" تحترم "الانجذابات العاطفية" أكثر من الولاء الزوجي. وكان لهنرييتا علاقة غرام بشلاير آخر؛ وهجرت دوروتيا مندلسون زوجها لتصبح خليلة فزوجة وفية لفريدريش شليجل، وأخيراً تابعة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية؛ كذلك اعتنقت هنرييتا مندلسون العقيدة الرومانية، وجعل أبراهام مندلسون أبناءه، ومنهم فليكس، يعمدون في الكنيسة اللوثرية؛ وزعم الحاخامات السنيون أنهم كانوا على حق في مخاوفهم. ولكن هذه كانت نتائج عارضة للحرية الجديدة؛ أما النواحي الأبقى على الزمن في تأثير مندلسون فقد ظهرت في تحرير اليهود فكرياً واجتماعياً وسياسياً.