فإذا أكرهتم على الرحيل عن وطن يثري على حساب كدكم، فسأستطيع تقديم العون لكم وحمايتكم في مكان آخر" (٤). ولكن الطبقتين الأرستقراطية والبورجوازية اتحدتا في مقاومة نداء "الوطنيين"، وكل ما استطاعه فولتير هو أن يرحب في مستعمرته الصناعية بكل من وفد عليه من الصناع الساخطين (١٧٦٨). وفي ١٧٨٢ هب الوطنيين في ثورة أطاحت بطبقة الإشراف وأقامت حكومة نيابية. ولكن النبلاء استنجدوا بفرنسا وبرن سردينيا؛ فتدخلت هذه الدول، وأخمد التمرد، وردت الأولجركية إلى الحكم. وكان على الوطنيين أن ينتظروا مجيء الثورة الفرنسية لتأتيهم بالحرية.
وأنجبت الكانتونات في ثلث القرن الذي نحن بصدده بعض الشخصيات ذات الشهرة الدولية. فكان يوهان هاينريش بستالوتسي أحد الأفراد النادرين الذين يتخذون العهد الجديد مرشداً للسلوك. وقد اتفق مع روسو على أن المدنية أفسدت الإنسان، ولكنه أحس أن الإصلاح يمكن أن يأتي لا عن طريق القوانين والنظم الجديدة، ولكن بإعادة تكوين السلوك الإنساني بالتربية. ومن ثم كان طوال حياته يرحب بالأطفال لا سيما الفقراء منهم، وخصوصاً المشردين؛ يؤويهم ويعلمهم، ويطبق في تعليمهم المبادئ التحررية التي احتواها كتاب روسو "إميل"، مع أفكار من عنده. وقد بسط آراءه في كتاب كان أكثر الكتب انتشاراً بين قراء ذلك الجيل. فالبطلة في كتابه "ليونهارد وجرترود" (١٧٨١ - ٨٥) تصلح قرية بأسرها بمحاولة معاملة الناس كما لو كان المسيح يعاملهم، وبتعليم أطفالها في مراعاة صابرة لغرائزهم واستعداداتهم الفطرية. ومن رأي بستالوتسي أن يعطي الأطفال من الحرية القدر الذي تسمح به حقوق الآخرين. فينبغي أن يبدأ التعليم المبكر بالقدوة، وأن يعلم الطفل بالأشياء والحواس، والخبرة، لا بالكلمات أو الأفكار أو الصم. وقد مارس بستالوتسي طرائقه في مدارس سويسرية شتى، ولا سيما في ايفردون. وهناك زاره تاليران، ومدام دستال، وغيرهما؛ ومنها انتشرت نظرياته في طول وأوربا وعرضها. على أن جوته شكا من أن