للبحرية البريطانية التي لا تقهر الفضل في تحويل القنال الإنجليزي إلى ما يشبه الخندق المائي الحالي لهذا "الحصن الذي شيدته الطبيعة .. ليدرأ عنها شر المرض وذراع الحرب"(١)(كما قال شكسبير). فلم يعف الاقتصاد الإنجليزي من نهب الجند المغيرين وسلبهم فحسب، بل غذته وحفزته حاجات الجيوش البريطانية وجيوش الحلفاء المحاربة في القارة، ومن هنا هذا التوسع الزائد في صناعات النسيج والمعادن، والحاجة لآلات تزيد من سرعة الإنتاج ولمصانع تستكثر منه.
وسهلت السيطرة على البحار فتح المستعمرات, وكانت كندا وأغنى بقاع الهند المثمرة التي وقعت من نصيب إنجلترا في حرب السنين السبعة، وأكسبت رحلات كرحلات الكابتن كوك (١٧٦٨ - ٧٦) الإمبراطورية البريطانية جزائر أفادتها من الناحية الاستراتيجية في الحرب والتجارة، وثبت انتصار رودني على دجراس (١٧٨٢) -السيطرة البريطانية على جميكا، وبربيدس، وجزر البهاما. ثم ظفرت بنيوزيلنده في ١٧٨٧، وباستراليا في ١٧٨٨. وأتاحت تجارة المستعمرات وغيرها من أقطار ما وراء البحار للصناعة البريطانية سوقاً أجنبية لا ينافسها فيها منافس في القرن الثامن عشر، وكانت التجارة مع المستوطنات الإنجليزية في أمريكا الشمالية تستخدم ١. ٠٧٨ - سفينة و٢٩. ٠٠٠ ملاح (٢). وازدهرت لندن وبرستل ولفربول وجلاسجو ثغوراً هامة لتجارة الأطلنطي هذه. وأخذت المستعمرات السلع المصنوعة وأرسلت عوضاً عنها الطعام والتبغ والتوابل والشاي والحرير والقطن والخامات والذهب والفضة والأحجار الكريمة. وقيد البرلمان استيراد المصنوعات الأجنبية بفرض الرسوم العالية عليها وثبط تنمية صناعات المستعمرات أو الصناعات الأيرلندية المنافسة لصناعات بريطانيا. ولم تقم مكوس داخلية (كتلك التي عرقلت سير التجارة الداخلية في فرنسا) عقبة في سبيل انتقال السلع في أرجاء إنجلترا وإسكتلندة وويلز؛ وكانت هذه الأقاليم أوسع منطقة للتجارة الحرة في غربي أوربا. وحظيت الطبقتان العليا والوسطى برخاء عظيم جداً، وبقدرة شرائية كانت حافزاً إضافياً للإنتاج الصناعي.