للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تكن النقابات الحرفية كفئاً لتلبية حاجات الأسواق المتسعة في الداخل والخارج. لقد أسست أولاً لسد حاجات البلدة وما حولها، وغلت يدها نظم عتيقة ثبطت الابتكار والتنافس والاقتحام، ولم تكن معدة لجلب المواد الخام من مصادر نائية، أو للحصول على رأس المال اللازم للإنتاج الموسع، أو لحساب الطلبات من الخارج أو الحصول عليها أو تلبيتها. وحل محل معلم النقابة الحرفية شيئاً فشيئاً "مقاولون" ومتعهدون يعرفون كيف يجمعون المال، ويتوقعون الطلب أو يخلقونه، ويحصلون على الخامات، وينظمون الآلات والعمال للإنتاج لأسواق في كل أركان المسكونة.

أما المال فقد جاء من أرباح التجارة أو الأعمال المالية، ومن غنائم الحرب ومراكب القرصنة، ومن التعدين أو استيراد الذهب أو الفضة، ومن الثروات الكبيرة التي تحققت في تجارة الرقيق أو في المستعمرات. كان الإنجليز يرحلون عن بلادهم فقراء، فيعود بعضهم أغنياء. ففي تاريخ مبكر (١٧٤٤) أتيح لخمسة عشر رجلاً عائدين من جزر الهند الغربية من المال ما يكفي لشراء انتخابهم للبرلمان (٣)، وما وافى عام ١٧٨٠ حتى كان "النوابون" Nabobs الذين أثروا في الهند قوة في مجلس العموم، والكثير من هذا المال المجلوب كان متاحاً للاستثمار. وبينما كان النبلاء ف يفرنسا ممنوعين من الاشتغال بالتجارة أو الصناعة، وكان نظراءهم في إنجلترا معفين من هذا الخطر، ونمت الثروة المتأصلة في الأرض بفضل استثمارها في المشروعات التجارية؛ من ذلك أن دوق بردجووثر غامر بميراثه في تعدين الفحم. وأودع آلاف البريطانيين مدخراتهم في المصارف التي كانت تقرض النقود بفوائد منخفضة. وانتشر مقرضو المال في كل مكان، فقد اكتشف المصرفيون أن أيسر طرق الإثراء هي التعامل في نقود غيرهم. فكان في لندن عشرون مصرفاً في ١٧٥٠، وخمسون في ١٧٧٠، وسبعون في ١٨٠٠ (٤). وعد بيرك اثني عشر مصرفاً خارج لندن في ١٧٥٠؛ وفي ١٧٩٣ كان هناك أربعمائة (٥). وأضافت النقود الورقية إلى اللقاح المخصب، فبلغت في ١٧٥٠ اثنين في المائة من العملة وفي ١٨٠٠ بلغت عشرة في المائة (٦). وغامرت الأموال المختزنة بالاستثمار حين نشرت التجارة والصناعة أرباحهما المتصاعدة.