وندرة في العمال اليدويين، فإن قلة قليلة جداً من الإنجليز في القرن الثامن عشر هي التي رأت ضيراً في ذهاب الأطفال إلى المصنع بدلاً من المدرسة. وحين كانت الآلات من البساطة بحيث يستطيع الأطفال أن يقوموا عليها، رحب أصحاب المصانع بالغلمان والفتيات ذوي العوام الخمسة أو يزيد. وكان المسئولون في الأبرشيات الذين ضاقوا بالإنفاق على الأيتام أو أطفال الفقراء يجهزونهم لرجال الصناعة مغتبطين، أحياناً في أفواج من خمسين أو ثمانين أو مائة؛ وفي حالات عدة كانوا يشترطون أن يأخذ صاحب العمل طفلاً معتوهاً واحداً في كل عشرين طفلاً (٢٦). وكان يوم العمل العادي للعمال الأطفال يتراوح بين عشر ساعات وأربع عشرة. وكثيراً ما كانوا يسكنون جماعات، وفي بعض المصانع كانوا يعملون في ورديات من اثنتي عشرة ساعة، بحيث ندر أن توقف الآلات أو خلت الأسرة من شاغليها. وكان النظام يحفظ باللطم أو الركل. وقد وجد المرض ضحايا عاجزين عن درئه في صبيان المصانع هؤلاء؛ وكثير منهم أصابه العمل بتشوهات في جسده أو الحوادث بعاهات مقعدة، ومنهم من قتل نفسه. وكان في بعض الرجال من رقة الشعور ما يكفي لذم تشغيل الأطفال هذا، على أن هذا التشغيل تقلص لا لأن الناس أصبحوا أكثر رحمة، بل لأن الآلات أصبحت أشد تعقيداً.
وأخضع الأطفال والنساء والرجال في المصانع لظروف ونظم لم يعرفوها من قبل. وكانت المباني في حالات كثيرة تشيد على عجل دون توخ للمتانة، مما أعان قطعاً على كثرة الحوادث وتفشي المرض. وكانت القواعد صارمة، وانتهاكاتها تعاقب بغرامات قد تفقد العامل أجر يومه (٢٧). وكانت حجة أرباب العمل أن العناية الواجبة بالآلات وضرورة التنسيق بين مختلف العمليات، والعادات المتسيبة لسكان لم يألفوا النظام أو السرعة-كل هذا يتطلب ضبطاً صارماً إذا أريد ألا تقضي الفوضى والتبديد على الأرباح وترفع سعر المنتجات بحيث تخرجها من السوق في داخل البلاد وخارجها. واحتمل العمال الانضباط لأن الصانع العاطل كان يواجه الجوع والبرد هو وأسرته، وكان العامل المشتغل يعرف أن العمال العاطلين يتوقون