وإنساناً مهذباً عادة، قبل لاهوت الكنيسة الإنجليكانية، وتمسك بطقوسها في إخلاص وتواضع، ووبخ واعظاً للبلاط امتدحه مرة في عظة. وقد حاكى خصومه السياسيين في استعمال الرشوة، وبز معلميه في هذا المضمار، ولكنه كان مثالاً في الفضيلة في حياته الخاصة. وفي جيله الذي اشتهر بالإباحية الجنسية أعطى إنجلترا قدوة في الوفاء الزوجي كانت نقيض لخيانات أسلافه وانحرافات أخوته وأبنائه. وكان آية في اللطف والعطف في طل شيء إلا الدين والسياسة، بسيط العادات والميول وإن كان مسرفاً في العطاء. وقد منع القمار في بلاطه، وكد وكدح في الحكم بعزيمة صادقة، فكان يهتم بالتفاصيل الدقيقة، ويبعث بتعليماته لمساعديه ووزرائه مراراً كل يوم. ولم يكن بيوريتانياً متزمتاً مكتئباً، فقد أحب المسرح والموسيقى والرقص. ولم تعوزه الشجاعة: فقد حارب خصومه السياسيين بعناد طوال نصف قرن؛ وواجه جمهوراً عنيفاً من الرعاع ببسالة في ١٧٨٠، واحتفظ برباطة جأشه خلال محاولتين للاعتداء على حياته. وقد أقر في صراحة بعيوب تعليمه، وظل إلى النهاية بريئاً نسبياً من الأدب والعلم والفلسفة. وإذا كان ضعيف العقل بعض الشيء فلعل ذلك مرده التواء في الجنينات أو إهمال في معلميه، كما كان مرده مئات الضغوط التي تكتنف الملك.
ومن مآخذه أنه كان يغار من الأكفاء النزاعين إلى الاستقلال برأيهم ويشك فيهم. فلم يستطع قط أن يغتفر لوليم بت الأول ما شعر من تفوق في الرؤية والفهم السياسيين، وفي نفوذ الحكم، وفي قوة الخطابة وبلاغتها. وقد سبق أن رأينا (١٨) سيرة هذا الرجل الفذ منذ دخوله البرلمان (١٧٣٥) حتى انتصاره في حرب السنين السبع. وكان في استطاعته أن يكون متغطرساً عنيداً-أكثر كثيراً من جورج الثالث؛ فقد شعر أنه هو الحارس الحقيقي للإمبراطورية التي خلفت تحت قيادته؛ فلما التقى الملكان-الملك الاسمي والملك الفعلي-تلا اللقاء صراع بينهما على العرش. وكان بت رجلاً نزيهاً لم تلوثه الرشوة التي استشرت من حوله، ولكنه لم يفكر في السياسة إلا بلغة المنعة القومية، ولم يسمح لأي عاطفة رحمة أن تثني عزمه على إحراز التفوق الأعظم لإنجلترا. وقد لقب "العامي العظيم" لا لأنه فكر في تحسين ظروف