للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشجاعة الشاب ذي السبعة والعشرين عاماً الذي عالج هذه الموضوعات المحيرة قبل "لاوكون" لسبنج بعقد كامل. ولعله استرشد باستهلال الجزء الثاني من كتاب لوكريتويس عن "الطبيعة" الذي نصه "يطيب لك حين تلطم الرياح الأمواج في خضم عجاج أن تشهد من البر ما يكابده إنسان آخر من عنت شديد، لا لأنه مبعث بهجة أن تشهد شدة أي إنسان، بل لأنه جميل أن ترى من أي الشرور أنت نفسك قد نجوت". ومن ثم يكتب بيرك: "أن العواطف المشبوبة التي تنتمي لحفظ الذات تدور حول الألم والخطر؛ فهي ببساطة عواطف مؤلمة حين تؤثر أسبابها فينا تأثيراً مباشراً، وهي مبهجة حين يكون لدينا فكرة عن الألم والخطر دون أن نكون فعلاً في ظروف كهذه … وكل ما يثير هذا الابتهاج أسميه جليلاً". ويلي ذلك أن "كل الأعمال المتسمة بالعظيم من الجهد والنفقة والبهاء جليلة .. وكذلك كل الصروح الفائقة الغنى والأبهة … لأن العقل وهو يتأملها يطبق أفكار عظم المجهود اللازم لإنتاج مثل هذه الأعمال على الأعمال ذاتها" (٣٢). والغموض والظلام والخفاء كلها تعين على انبعاث إحساس بالجلال، ومن هنا حرص معماريي العصر الوسيط على ألا يسمحوا إلا للضوء الخافت المصفى بالتسلل إلى كتدرائياتهم. وقد أفاد القصص الرومانتيكي من هذه الأفكار كما نرى في قصة هوراس ولبول "قلعة أوترانتو" (١٧٦٤) أو قصة آن رادكلف "خفايا أودلفو" (١٧٩٤).

يقول بيرك "أن الجمال اسم سأطلقه على كل الصفات في الأشياء تثير فينا إحساساً بالمحبة والحنان، أو أي عاطفة حارة أخرى قريبة الشبه بهما (٣٣). وقد رفض رد الكلاسيكيين هذه الصفات إلى الانسجام والوحدة والتناسب والتماثل؛ فكلنا نتفق على أن البجعة جميلة مع أن عنقها الطويل وذيلها القصير غير متناسبين مع جسمها. والجميل يكون عادة صغيراً (وبهذا يكون نقيضاً للجليل).

"لست أتذكر الآن شيئاً جميلاً لا يتصف بالنعومة" (٣٤)، فالسطح المكسر أو الخشن، والزاوية الحادة أو النتوء الفجائي، كلها تضايقنا وتحد من سرورنا حتى في أشياء تكون جميلة لولا هذا "ومظهر الغلظ والقوة