والموضوعية المباشرة؛ لقد امتدحوا بيانه، ولكنهم تجاهلوا نصيحته. ومن ثم نرى جونسن يرد على بوزويل الذي شبه بيرك بالصقر فيقول:"أجل يا سيدي ولكنه لا يصيد شيئاً"(٣٩) وقد ظل إلى نهاية حياته العملية تقريباً يدافع عن سياسات لا يستسيغها الشعب، ولا الوزارة، ولا الملك. قال:"أنا عليم بأن الطريق الذي أسير فيه ليس طريق الترقي إلى المنصب الرفيع"(٤٠).
ويبدو أنه خلال سنوات قرأ كثيراً وقرأ بفطنة وتمييز. وقد وصفه أحد معاصريه بأنه موسوعي يفيد كل إنسان من ذخيرته العلمية. وقد أثنى عليه فوكس ثناء لا حد له إذ قال:"لو أنه (أي فوكس) وضع في كفة كل المعلومات السياسية التي تعلمها من الكتب، وكل ما اكتسبه من العلم، وكل ما علمته الخبرة بالدنيا وشئونها، ثم وضع في الكفة الأخرى الفائدة التي اكتسبها من تعليم صديقه المبجل وحديثه، لاحتار أيهما يفضل"(٤١) أما جونسن-وهو الضنين بالمدح عادة-فقد اتفق مع فوكس فقال:"لن تستطيع الوقوف خمس دقائق مع ذلك الرجل تحت مظلة أثناء المطر، ولكنه لا بد مقتنع بأنك كنت تقف مع أعظم رجل رأيته في حياتك"(٤٢).
وقد انضم بيرك إلى ندوة جونسن-رينولدز حوالي عام ١٧٥٨. وندر أن التحم في نقاش ما الناظر الذي لا يقهر، ربما لأنه كان يخشى من حدة طبعه هو كما يخشى من حدة طبعة جونسن؛ ولكنه حين فعل، نكص "الخان الأكبر"(جونسن) على عقبيه. وحين مرض جونسن، وذكر بعضهم بيرك، صاح الدكتور "أن هذا الفتى يستنفر كل قواي، ولو رأيت بيرك الآن لكان في ذلك القضاء علي"(٤٣). ومع ذلك كان الرجلان متفقين على معظم القضايا الأساسية في السياسة والأخلاق والدين. فقد قبلا حكم بريطانيا الأرستقراطي مع أن كليهما كان من العامة؛ واحتقر الديموقراطية لأنها تتويج للكفايات الهزلية؛ ودافعا عن المسيحية التقليدية والكنيسة الرسمية بوصفها معقلين للأخلاق والنظام لا بديل لهما. ولم يفرق بين الرجلين غير ثورة المستعمرات الأمريكية. وقد وصف جونسون نفسه بأنه محافظ (توري)، ورمى الأحرار (الهوجز) بأنهم مجرمون وحمقى.