بلادها للاتصال بها غير ما وضعته من النظم لاستقبال البعوث التي تحمل لها الخراج.
وكان أكبر أسباب ضعف الحكومة قلة مواردها وضعف وسائل الدفاع عن أراضيها ورفضها كل اتصال بالعالم الخارجي يعود عليها بالنفع. لقد فرضت الضرائب على أراضيها، واحتكرت بيع الملح، وعطلت نماء التجارة بما فرضته بعد عام ١٨٢١ من عوائد على انتقال البضائع على طرق البلاد الرئيسية، ولكن فقر السكان، وما كانت تعانيه من الصعاب في جباية الضرائب والمكوس، وما يتصف به الجباة من الخيانة، كل هذا قد ترك خزانة الدولة عاجزة عن الوفاء بحاجات القوى البحرية والبرية التي كان في وسعها لولا هذا العجز أن تنقذ البلاد من مذلة الغزو والهزيمة (١). ولعل أهم أسباب هزائمها هو فساد موظفي حكومتها؛ وذلك أن ما كان يتصف به موظفوها من جدارة وأمانة قد ضعف في خلال القرن التاسع عشر فأضحت البلاد تعوزها الزعامة الرشيدة في الوقت الذي كانت فيه نصف ثروة العالم ونصف قواه يتجمعان لسل استقلالها وانتهاب مواردها والقضاء على أنظمتها.
بيد أن أولئك الموظفين كانوا يختارون بوسيلة لا مثيل لها في دقتها وتعد في جملتها أجدر وسائل الاختيار بالإعجاب والتقدير، وخير ما وصل إليه العالم من الوسائل لاختيار الخدام العموميين. لقد كانت وسيلة جديرة بإعجاب أفلاطون، ولا تزال رغم عجزها وتخلي الصين عنها تقرب الصين إلى قلوب الفلاسفة. وكانت
(١) بلغ متوسط دخل الخزانة الإمبراطورية في أواخر القرن الماضي نحو ٧٥ مليونا من الدولارات الأمريكية في العام، ويضاف إليها من الإيرادات التي تجمع للأغراض المحلية ١٧٥ مليونا أخرى، وإذا وازنّا بين هذه الإيرادات التي لا غنى عنها لاستتباب الأمن والنظام وبين الـ ١٥٠ مليونا من الدولارات التي فرضتها اليابان على الصين غرامة حربية في عام ١٨٩٤ والغرامة التي فرضها عليها الحلفاء بعد حرب الملاكمين لم تكن مسألة انهيار الصين في نظرنا أكثر من مسألة حسابية.