هذه الطريقة من الناحية النظرية توفق أحسن التوفيق بين المبادئ الأرستقراطية والديمقراطية: فهي تمنح الناس جميعا فرصة متكافئة لإعداد أنفسهم للمناصب العامة، ولكنها لا تفتح أبواب المناصب إلا لمن أعدوا أنفسهم لها. ولقد أنتجت خير النتائج من الوجهة العملية مدى ألف عام.
وكانت بداية هذه الطريقة في مدارس القرى - وهي معاهد خاصة ساذجة لا تزيد قليلا على حجرة واحدة في كوخ صغير - كان يقوم فيها معلم واحد بتعليم أبناء أسر القرية تعليما أوليا ينفق عليه بما يؤديه هؤلاء الأبناء من أجر ضئيل. أما النصف الفقير من السكان فقد ظل أبناؤه أميين (١٣٧). ولم تكن الدولة هي التي تنفق على تلك المدارس، ولم يكن الكهنة هم الذين يديرونها، ذلك أن التعليم قد بقى في الصين كما بقى الزواج فيه مستقلا عن الدين لا صلة بينهما سوى أن الكنفوشية كانت عقيدة المعلمين. وكانت أوقات الدراسة طويلة كما كان النظام صارما في هذه المدارس المتواضعة. فكان الأطفال يأتون إلى المعلم في مطلع الشمس ويدرسون معه حتى الساعة العاشرة، ثم يفطرون ويواصلون الدرس حتى الساعة الخامسة، ثم ينصرفون بقية النهار. وكانت العطلات قليلة العدد قصيرة الأجل، وكانت الدراسة تعطل بعد الظهر في فصل الصيف، ولكن هذا الفراغ الذي كان يصرف في العمل في الحقول كان يعوض بفصول مسائية في ليالي الشتاء. وكان أهم ما يتعلمه الأطفال كتابات كنفوشيوس وشعر تانج؛ وكانت أداة المعلم عصا من الخيزران. وكانت طريقة التعليم الحفظ عن ظهر قلب؛ فكان الأطفال الصغار يواصلون حفظ فلسفة المعلم كونج ويناقشون فيها مدرسهم حتى ترسخ كل كلمة من كلماته في ذاكرتهم وحتى يستقر بعضها في قلوبهم. وكانت الصين تأمل أن يتمكن جميع أبنائها، ومنهم الزراع أنفسهم، بهذه الطريقة القاسية الخالية من اللذة أن يصبحوا فلاسفة وسادة مهذبين،