العذاب لا بد من صيانة الحرية في أمريكا! وفي إنجلترا ما الذي يستطيع إنقاذ الحرية؟ إيه إنجلترا المجنونة، المجنونة! أي جنون أن تنبذ كنوزها، وتضيع ثروتها الطائلة، وتضحي بحريتها، ليكون ملكها الحاكم المطلق لصحاري لا نهاية لها في أمريكا، وجزيرة في أوربا مفتقرة إلى المال، منزوحة السكان، ومن ثم فاقدة الأهمية! " (١١٤).
على أن الذي أقنع الشعب الإنجليزي، ثم حكومته، بأفكار السلام لم تكن حماسة شاتام ولا بيرك ولا فوكس، بل انتصارات المستعمرات وتحركاتها الدبلوماسية. وكان استسلام بورجوين في ساراتاجوا (١٧ أكتوبر ١٧٧٧) نقطة التحول، ولأول مرة قدرت إنجلترا تحذير شاتام "لن تستطيعوا قهر أمريكا" فلما اعترفت فرنسا بـ "ولايات أمريكا المتحدة" وانضمت إلى الحرب ضد إنجلترا (٦ فبراير ١٧٧٨) أيد رأي الساسة الفرنسيين رأي شاتام، وأضف ثقل الأسلحة الفرنسية والبحرية الفرنسية المجددة إلى العبء الملقى على كاهل الأمة البريطانية بل أن اللورد نورث ذاته تخاذل، ورجا الأذن له بالإستقالة، ولكن الملك الذي أغرقه بهباته أمره بالبقاء في منصبه.
وشعر الكثيرون من الإنجليز البارزين أنه لن يستطيع إقناع المستعمرات بالعدول عن تحالفها مع فرنسا إلى الإتحاد مع إنجلترا ثانية إلا حكومة يتزعمها ايرل شاتام. ولكن جورج أبى أن يستمع لهذا الرأي. فقد قال لنورث "أني أصرح تصريحاً قاطعاً بأنه ما من شيء يحملني على التعامل شخصياً مع اللورد شاتام" (١١٥) وجاء الأيرل إلى مجلس اللوردات لآخر مرة في ٧ أبريل ١٧٧٨ مستنداً إلى عكازين وابنه وليم، وقد اكفهر وجهه إيذاناً بدنو منيته، وضعف صوته حتى لم يكد يسمع. وعاد ينصح بالمصالحة، ولكنه عارض "تقطيع أوصال هذه الملكية العريقة النبيلة جداً" بمنح الاستقلال لأمريكا (١١٦) ورد الدوق رتشموند بأن هذا المنح وحده هو السبيل إلى رد أمريكا عن حلفها مع فرنسا. وحاول شاتام أن ينهض ويتكلم ثانية، ولكنه سقط مصاباً بنوبة فالج، ومات في ١١ مايو ١٧٧٨ وقرر البرلمان أن يشيع في