وأثره الفارق" (١٥٢) والمصلحة أهم أحياناً من الحقوق "ينبغي أن تكيف السياسة لا وفق الحجج البشرية [المجردة] بل وفق الطبيعة البشرية، التي ليس العقل فيها إلا جزءاً وليس أكبر جزء على الإطلاق (١٥٣). "يجب أن ننتفع بما يوجد من مواد (١٥٤) ".
هذه الاعتبارات كلها يوضحها الدين. قد لا تكون عقائد دين من الأديان وأساطيره ومراسمه متفقة مع عقلنا الحاضر، ولكن هذا ليس بذي بال إذا اتفقت وحاجات المجتمع الماضية والحاضرة والمستقبلة. والتجربة قاطعة في أن عواطف الناس المشبوبة لا يمكن السيطرة عليها إلا بتعاليم الدين وشعائره "إذا نحن كشفنا عريناً [أطلقنا غرائزنا] بنبذ ذلك الدين المسيحي الذي كان … مصدراً عظيماً للمدنية بيننا .. فإننا نخشى (ليقيننا بأن الفكر لا يطيق فراغاً) أن تحل محله خرافة خرقاء، مؤذية، محطة (١٥٥) ".
ورفض الكثير من الإنجليز نزعة بيرك المحافظة باعتبارها تمجيداً للركود (١٥٦)، ورد عليه توماس بين بقوة في كتابه "حقوق الإنسان (١٧٩١ - ٩٢). ولكن إنجلترا التي عاصرت شيخوخة بيرك رحبت عموماً بعبادته للسلف. فلما مضت الثورة الفرنسية في طريقها قدماً إلى مذابح سبتمبر، وأعدم الملكة والملك، وحكم الإرهاب، شعرت الكثرة العظمى من البريطانيين بأن بيرك أحسن التنبؤ بعواقب التمرد والكفر، وتشبثت إنجلترا قرناً كاملاً بدستورها، دستور الملك، والأرستقراطية، والكنيسة الرسمية، وبرلمان يفكر بلغة السلطات الإمبراطورية لا الحقوق الشعبية رغم أنها تخلصت من دوائرها الانتخابية، العفنة ووسعت حق التصويت. وبعد الثورة عادت فرنسا من روسو إلى مونتسكيو، وصاغ جوزف دميستر آراء بيرك للفرنسيين التائبين صياغة جديدة.
وواصل بيرك إلى النهاية حملته من أجل حرب مقدسة، واغتبط حين أعلنت فرنسا الحرب على بريطانيا العظمى (١٧٩٣). وأراد جورج الثالث أن يثيب عدوه القديم على خدماته الأخيرة فيرفعه إلى مقام النبالة ويخلع