للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طبعها حديثاً محبباً بين أصدقائه، والتي جعلت من جمالها منبر خطابة لتعينه على الظفر بكرسي في البرلمان، هذه الزوجة ماتت بالسل وهي في الثامنة والثلاثين من عمرها (١٧٩٢). فانهار شريدان. وقال أحد معارفه عنه "رأيته الليلة بعد الليلة يبكي كأنه طفل" (١٦١) وقد وجد بعض العزاء في الفتاة التي أنجبتها له، ولكنها ماتت في السنة ذاتها. وفي شهور الحزن تلك واجه مهمة إعادة بناء مسرح دروري لين الذي لم يعد مأموناً لقدمه وتداعي مبانيه، ولكي يمول هذه العملية تحمل نفقات باهظة. وكان قد وعد نفسه العيش المترف؛ الذي عجز دخله عن الإنفاق عليه، لذلك استدان ليواصل أسلوب حياته. وحين كان دائنوه يحضرون إليه ليطالبوه بديونهم كان يحتفي بهم كانهم اللوردات، ويقدم إليهم الشراب والتحية المهذبة والنكتة الذكية ثم يصرفهم في حال من الرضى يكاد ينسى الدائن دينه. وقد ظل نشيطاً في البرلمان حتى ١٨١٢ حين أخفق في إعادة انتخابه. وكان من قبل يتمتع بالحصانة من الاعتقال بصفته عضواً في مجلس العموم، أما الآن فقد أطبق عليه دائنوه، واستولوا على كتبه، وصوره، ومجوهراته، وأخيراً أوشكوا على حمله إلى السجن لولا أن طبيبه حذرهم من أن شريدان قد يموت في الطريق. ثم قضى نحبه في ٧ يوليو ١٨٠٦ وهو في الخامسة والستين. وقد عاوده الغنى في مأتمه، لأن سبعة لوردات وأسقفاً شيعوه إلى مقبرة وستمنستر.

أما الملك نصف المجنون فقد عمر بعدهم أجمعين، بل عمر حتى رأى انتصار إنجلترا في واترلو وإن لم يعلم به. وقد أدرك بحلول عام ١٧٨٣ أنه أخفق في محاولته جعل الوزراء مسئولين أمامه لا أمام البرلمان. وأضنته صراعاته الطويلة التي لم يكن كفء لها مع مجلس العموم، وأمريكا، وفرنسا. وفي ١٨٠١ و١٨٠٤ و١٨١٠ انتكس إلى جنونه، وظفر في النهاية بتلك الشعبية التي حرمها أيام كفاحه، مشوبة بالشفقة على رجل رأى إنجلترا تصاب بالهزائم الكثيرة ولم يتح له أن يشهد انتصارها. وكان موت ابنته أميليا (١٨١٠) الأثيرة لديه ما أكمل القطيعة بينه وبين دنيا الواقع. وفي ١٨١١ كف بصره وبات مجنوناً جنوناً لا شفاء منه، وظل معزولاً تفرض عليه الحراسة حتى مات (٢٩ يناير ١٨٢٠).