ما بين الدين والحكم من وحدة حميمة، وأوتيت من القصد ما عصمها من إحلال نظام بوليسي لا آخر له محل أخلاقية غيبية.
وإذ كان الأساقفة الأنجليكان الآن خداماً للدولة كما كان الكرادلة الكاثوليك، فقد رأوا أن لهم الحق في قسط من متع الدنيا. وقد هجا كوبر في أبيات لاذعة (٤٧) رجال الدين الذين كانوا يتهافتون تهافت رجال السياسة على الوظائف الدينية الأكثر مغنماً أو الملحقة بوظائفهم؛ ولكن غير هؤلاء كثيرون عاشوا حياة العكوف الهادئ على واجباتهم، وعديدون كانوا المدافعين الأكفاء المتبحرين عن الإيمان. وقد كشف كتاب بالي "مبادئ الفلسفة الأخلاقية والسياسية"(١٧٨٥) عن روح سمحة ذات أفق واسع وتسامح عقيدي، وعرض كتابه "البراهين على المسيحية"(١٧٩٤) عرضاً مقنعاً البرهان القائم على القصد في الكون. وقد لقي الترحيب في صفوف الأكليروس رجال ذوو ميول للتحرر الفكري ما داموا يعظون بجوهر الدين ويكونون القدوة الأخلاقية في مجتمعاتهم (٤٨).
أما المنشقون على الكنيسة الإنجليكانية-من المعمدانيين ومشيخيين ومستقلين (بيورتان) _فقد تمتعوا بالتسامح الديني ما داموا متمسكين بمسيحية التثليث؛ ولكن حظر شغل الوظائف السياسية أو الحربية، أو الالتحاق بجماعة أكسفورد أو كمبردج، على من لا يعترف بالكنيسة الإنجليكانية وموادها التسع والثلاثين. واستمر انتشار المثودية بين الطبقات الدنيا. وفي ١٧٨٤ فصمت هذه الكنيسة عراها الواهية مع الكنيسة الرسمية. ولكنها كانت أثناء ذلك قد بثت "الحركة الإنجيلية" في قلة من رجال الدين الإنجليكان، الذين أعجبوا بزعيمها وسلي، ووافقوه على أن الإنجيل ينبغي أن يبشر به بالضبط كما سلم إلينا في العهد الجديد، دون تنازلات للنقد العقلاني أو النصي.
وظل تذكر إنجلترا لمؤامرة البارود والثورة الكبرى، وحكم جيمس الثاني، يبقى في سجلات الدولة على تلك القوانين القديمة التي شرعت ضد اتباع كنيسة روما الكاثوليكية. ولم يعد أكثر هذه القوانين يطبق، ولكن