لأنه الرجل الذي "علم القضاء أن يتكلم لغة الدارس والجنتلمان، وهذب ذلك العلم العصبي، ونفض غبار المنصب ونسيج العناكب"(٥٤). وقد عرف بلانكستون القانون بأنه "قاعدة للعمل يمليها كائن أعلى"(٥٥)، وكان يدين بتصور مثالي مستقر للقانون، يراه مؤدياً في مجتمع ما الوظيفة التي تؤديها قوانين الطبيعة في العالم؛ وكان ميلاً إلى التفكير في قوانين إنجلترا على أنها تضارع قوانين الجاذبية في جلالها وخلودها.
وقد أحب إنجلترا والمسيحية على الصورة التي وجدهما عليها، وما كان ليسلم بأي عيب في واحدة منهما. وكان أكثر سنية من الأسقف واربرتن، وأكثر ملكية من جورج الثالث. "ليس ملك إنجلترا أكبر قاض للأمة فحسب، بل هو بالضبط القاضي الوحيد لها، الذي له أن يرفض أي مشروعات قوانين، ويبرم أي معاهدات، .... ويعفو عن أي جرائم شاء، إلا إذا كان الدستور قد نص بصراحة أو بحكم النتيجة المنطقية الواضحة على استثناء أو قيد ما"(٥٦) ووضع بلاكستون الملك فوق البرلمان وفوق القانون، فليس الملك "غير قادر على ارتكاب الخطأ فحسب، بل حتى على التفكير الخطأ"-وهي عبارة عني بها بلاكستون أنه ليس هناك قانون فوق الملك يمكن أن يدان به الملك. ولكنه أبهج كبرياء إنجلترا بأسرها حين عرف "الحقوق المطلقة لكل إنجليزي: حق الأمن الشخصي، وحق الحرية الشخصية، وحق الملكية الشخصية"(٥٧).
وقد سر جيل بلاكستون سروراً عظيماً بتصوره القانون الإنجليزي نظاماً صالحاً على الدوام لأنه في النهاية مبني على الكتاب المقدس بوصفه كلمة الله، ولكن هذا التصور ثبط تطوير القضاء الإنجليزي وإصلاح قانون العقوبات والسجون؛ غير أن من مفاخره أنه امتدح جهود هوارد التي بذلها لتحسين الأحوال في السجون البريطانية (٥٨).
وقد فهم هوارد المسيحية لا على أنها نظام قانوني بل نداء للقلب. ذلك أن الأحوال في السجن المحلي أفزعته حين عين مأموراً في بدفورد (١٧٧٣) فالمأمور ومساعدوه لا رواتب لهم، ورزقهم على ما يقتضون من السجناء