فلما بلغ جاريك لندن انضم إلى أخيه في استيراد النبيذ وبيعه. واقتضاه هذا زيارات متكررة للحانات، وهناك التقى بالممثلين، فاستهواه حديثهم؛ وتبع بعضهم إلى ابسويتش حيث سمحوا له بلعب أدوار صغيرة. وتعلم فن التمثيل بسرعة فائقة حتى اضطلع بعد قليل بتمثيل الدور الرئيسي في "رتشارد الثالث" في مسرح غير مرخص بجود مانز فيلدز بالطرف الشرقي للندن. وقد استطاب ذلك الدور لأنه كان ضئيل الحجم مثل الملك الأحدب، ولأنه استسمع بالموت على خشبة المسرح وقد لقي أداؤه من حسن الاستقبال ما جعله يهجر تجارة الخمور، الأمر الذي أخزى أقاربه في لتشفيلد وأحزنهم. ولكن وليم بت الأب ذهب وراء الكواليس ليهنئه. أما الكسندر بوب، الذي كان صاحب عاهة مثل رتشارد، فقد قال لمشاهد آخر، "إن هذا الفتى لم يكن له نظير قط، ولن يكون له منافس أبداً"(٧٤). فهنا ممثل سكب كل جسمه وروحه في الدور الذي يؤديه؛ ممثل تقمص رتشارد الثالث بوجهه وصوته ويديه وهيكله المحطم وعقله الماكر وأهدافه الشريرة؛ ممثل لا يكف عن لعب دوره حين يتكلم الآخرون، وينساه بمشقة إذا ترك خشبة المسرح. وسرعان ما غدا حديث رواد مسارح لندن، فذهب علية القوم لمشاهدته، وتعشى معه اللوردات، وكتب توماس جراي يقول "في جودمانز كفيلدز اثنا عشر دوقاً كل ليلة"(٧٥) وأعلن آل جاريك بلتشفيلد في زهو قرابة ديفد لهم.
ثم جرب بعد هذا دور لير (١١ مارس ١٧٤٢)، ففشل؛ فقد كان فيه من نشاط الحركة ما منعه من تمثيل دور شيخ في الثمانين، ولم يكن قد اكتسب وقار الملوك. على أن الفشل هذبه وتبين أنه عظيم النفع له. فأقلع عن لعب الدور حيناً، ودرس المسرحية، ودرب نفسه على تعبيرات سحنة لير التعس، ومشيته الهزيلة، وبصره المضعضع، ونبراته الحادة الباكية. وفي أبريل عاود التجربة. ورأى النظارة أنه تغير تماماً، فبكوا وهتفوا، ذلك أن جاريك خلق دوراً آخر من الأدوار التي ستذكر الناس باسمه قرابة قرن من الزمان. وصفق الناس جميعاً إلا جونسون الذي انتقد التمثيل زاعماً أنه مجرد بانتومايم، وهوراس ولبول الذي زعم أن في تعبيرية جاريك غلواً،