وكان الانقلاب التجاري الذي حدث في أيام كولمب هو الذي أفسح الطريق ومهد السبيل للانقلاب الصناعي. فقد كشف الرحالة عن أراضي قديمة، وفتحوا ثغوراً جديدة، ونقلوا إلى الثقافات القديمة منتجات الغرب وأفكاره. وكان البرتغاليون المغامرون في أوائل القرن السادس عشر قد استولوا على جزائر ملقا، وكانوا من قبل قد ثبتوا أقدامهم في بلاد الهند، ثم طافوا حول شبه جزيرة الملايو، ووصلوا بسفائنهم الجميلة ومدافعهم الرهيبة إلى كانتون (١٥١٧).
وكان أولئك القادمون خلقاً متوحشين لا يخضعون لقانون، ويعدون كل الشعوب الشرقية فريسة مشروعة مباحة لهم، ولم يكونوا يفترقون إلا قليلاً عن القراصنة .. إن كان بين هؤلاء وبينهم فرق على الإطلاق (١) … ، وعاملهم الصينيون معاملة القرصان فألقوا بممثليهم في السجون، ورفضوا ما عرضوه عليهم من تجارة حرة، وكثيرا ما طهر الصينيون الغضاب الحانقون الأحياء التي استقر فيها البرتغاليون بذبح ساكنيها. ولكن البرتغاليين أعانوا الصينيين على قتال غيرهم من القرصان، فكان جزاؤهم على هذه المعونة أن منحتهم بيكين حق الإقامة في مكاو وحكمها كأنها ملك لهم، فشادوا في تلك المدينة مصانع كبيرة لصنع الأفيون، وأجازت لهم أن يستخدموا في هذه المصانع الرجال والنساء والأطفال. ودرت عليهم هذه الصناعة أرباحاً عظيمة يكفي لمعرفة مقدارها أن نقول أن مصنعاً واحداً كان يعود على الحكومة البرتغالية التي أنشئت في هذا الإقليم بربح مقداره ٠٠٠ ر ٥٦٠ ر ١ دولار في كل عام (٢).
ثم جاء الأسبان وفتحوا جزائر الفلبين في عام ١٥٧١ م واستقروا في جزيرة فرموزا الصينية؛ وأعقبهم الهولنديون، وفي عام ١٦٣٧ م أقبلت خمس سفن إنجليزية وصعدت في النهر إلى كانتون وأسكتت بمدافعها القوية المدافع التي قاومتها وأنزلت في المدينة بضائعها (٣). وعلم البرتغاليون الصينيين شراء الدخان وشربه، ثم بدأ في مستهل القرن الثامن عشر استيراد الأفيون من الهند إلى الصين. وحرمت