الحكومة الصينية على الشعب تعاطي الأفيون، ولكن عادة تعاطيه انتشرت انتشار النار في الهشيم حتى بلغ ما استورد منه إلى الصين في عام ١٧٩٥ م أربعة آلاف صندوق (١). وحرمت الحكومة استيراده في تلك السنة وكررت هذا التحريم في عام ١٨٠٠ م ولجأت إلى المستوردين وإلى الأهلين على السواء تبين لهم ما لهذا المخدر القوي من أثر في إضعاف حيوية الأمة. ولكن تجارة الأفيون لم تنقطع رغم هذا التحريم، ولم تكن رغبة الصينيين في شرائه أقل من رغبة الأوربيين في بيعه، ولم يجد الموظفون حرجاً في تناول الرشاوي التي كانت تقدم إليهم ليتغاضوا عن أوامر التحريم بل كانوا يتقبلونها شاكرين.
وأصدرت حكومة بيكين في عام ١٨٣٨ م أمراً بالتشديد في تنفيذ قرار تحريم استيراد الأفيون، وجاء موظف قوي يدعى لن تزه- شو فأمر من في كانتون من المستوردين الأجانب أن يسلموا ما في مخازنهم منه. فلما أبوا حاصر الأحياء الأجنبية وأرغمهم على أن يسلموه عشرين ألف صندوق من هذا المخدر، ثم أقام في كانتون شبه حفلة أفيونية أتلف فيها هذه الكمية كلها. وعلى أثر هذا انسحب البريطانيون إلى هنج كنج وبدأت "حرب الأفيون" الأولى. وقال الإنجليز إن الحرب لم تكن حرب أفيون، بل كان سببها أنهم غضبوا لما أظهرته الحكومة الصينية من قحة وغطرسة في استقبالها ممثليهم أو برفضها استقبالهم، وما وضعته أمامهم من عقبات في صورة ضرائب باهظة ومحاكم فاسدة مرتشية أقامتها القوانين والعادات الصينية تعطل بها تجارة منظمة مشروعة. وأطلقوا المدافع على المدن الصينية التي كان في وسعهم أن يصلوا إليها من الشاطئ وأرغموا الصين على طلب الصلح باستيلائهم على مصب القناة الكبيرة عند شنكيانج. ولم تذكر معاهدة نانكنج شيئاً عن الأفيون، وتخلت الصين بمقتضاها عن هنج كنج إلى
(١) يمكن تقدير ثمن هذه الكمية إذا ذكرنا أن قطعة من الأفيون يتسع لها جيب صديرية الرجل يبلغ ثمنها ثلاثين دولاراً.