ولا نعرف الأشياء أبداً. فلما أكد هيوم بمثل هذا الاستدلال أننا نعرف الحالات العقلية فقط، دون أن نعرف مطلقاً "عقلاً" ملحقاً بها، أحس ريد أن مثل هذا التحليل المثقل بالتفاصيل غير هامة يقوض كل تفرقة بين الصدق والكذب، وبين الحق والباطل، وكل لإيمان بالله أو الخلود. وذهب إلى أنه اضطر لتنفيذ آراء هيوم اتقاء هذه الكارثة، ولكي يفند آراء هيوم كان عليه أن يرفض باركلي.
وعليه فقد سخر من الفكرة القائلة بأننا لا نعرف غير أحاسيسنا وأفكارنا، فنحن على العكس من هذا نعرف الأشياء مباشرة وللتو، و "من الإسراف في الرهافة" فقط أن نخلل تجربتنا مع وردة مثلاً، فنردها إلى حزمة من الأحاسيس والأفكار، والحزمة حقيقية، ولكن الوردة أيضاً حقيقية، وهي تحتفظ ببقاء ثابت بعد أن تتوقف احساساتنا بها. والصفات الأولية-كالحجم والشكل والصلابة والنسيج والثقل والحركة والعدد-تنتمي بالطبع إلى العالم الموضوعي، ولا تتغير ذاتياً إلا بفعل الأوهام الذاتية، وحتى الصفات الثانوية لها مصدر موضوعي بقدر ما تنشأ الأحاسيس الذاتية عن الأصول الطبيعية أو الكيميائية في الشيء أو البيئة-الرائحة، أو الطعم أو الدفء، أو اللمعان، أو اللون، أو الصوت (١٧).
والإدراك الفطري السليم ينبئنا بهذا، غير أن "مبادئ الإدراك الفطري السليم ليست أهواء الجماهير الجاهلة، إنما هي المبادئ الغريزية" التي يرشدنا تكوين طبيعتنا (أي الإدراك الذي نشترك فيه كلنا) إلى الإيمان بها، والتي يتحتم علينا بالضرورة التسليم بها في الشئون المشتركة للحياة (١٨)، وبالقياس إلى هذا الإحساس العام الذي يختبر كل يوم ويؤكد ألف مرة، تكون استدلالات الميتافيزيقا الخيالية مجرد لعبة يلعبها المرء في وحدته التي يهرب فيها من العالم؛ بل أن هيوم نفسه، باعترافه، كان يلقي عنه هذه اللعبة العقلية إذا غادر حجرة مكتبه (١٩). ولكن هذا الرجوع إلى الحس المشترك يرد الواقع إلى العقل: فليست الأفكار وحدها هي الموجودة، فهناك كائن حي، وعقل، وذات، لها أفكار. واللغة نفسها شاهد على هذا الاعتقاد العام: فلكل لغة ضمير منفرد للمتكلم، فـ "أنا" هو الذي يشعر، ويتذكر،