نهاية "حرب الأفيون" الثانية (١٨٦٠ م) فر الإمبراطور الشاب شيان فنج إلى جيهول حيث توفي بعد عام واحد من ذلك الوقت وترك العرش لابنه البالغ من العمر خمس سنين، فما كان من زوجة الإمبراطور الثانية أم ذلك الغلام إلا أن استولت على مقاليد الحكم وتسمت باسم تزه شي- وعرفها العالم باسم الإمبراطورة الوالدة- وحكمت الصين حكماً طيباً صارماً مجرداً من الرحمة دام جيلاً كاملاً. وكانت هذه السيدة في شبابها قد حكمت البلاد بقوة جمالها، أما الآن فقد حكمتها بقوة إرادتها. ولما مات ولدها عند بلوغه سن الرشد (١٨٧٥ م) لم تعبأ الإمبراطورة بالسوابق ولم تأبه بالمعارضين وأجلست على العرش غلاماً قاصراً- جوانج تشو- واستبقت مقاليد الحكم في يدها. وحافظت هذه الإمبراطورة الجريئة على السلام في بلاد الصين نحو ثلاثين عاماً مستعينة في ذلك برجال من دهاقين السياسة أمثال لي هونج- جانج، وأرغمت الدول الجشعة على أن تحسب للصين بعض الحساب. فما أن انقضت اليابان على الصين فجأة، وأسرعت الدول الأوربية إلى تقطيع أوصال البلاد تقطيعاً جديداً بعد انتصار اليابانيين عليها، قامت في عاصمة الصين حركة قوية تطالب بأن تحذو حذو اليابان التي أخذت بأساليب الدول الغربية- أي أن تجيش جيشاً قوياً، وأن تنشئ المصانع وتمهد الطرق وأن تحاول الحصول على الثروة الصناعية التي مولت بها اليابان وأوربا حروبهما الظافرة. وقاومت الإمبراطورة ومستشاروها هذه الحركة بكل ما لديهم من قوة، ولكن جوانج شو انضم إليهم سراً، وكان قد أذن له أن يتربع على العرش وأن يكون إمبراطوراً بحق. فلم تشعر الإمبراطورة ومستشاروها إلا وقد أصدر جوانج إلى الشعب الصيني (في عام ١٨٩٨ م) من غير أن يستشير "بوذا العجوز"(وهو الاسم الذي كانت حاشية الإمبراطورة تطلقه عليها) عدة مراسيم عجيبة لو أن البلاد قبلتها وعملت بها لسارت سيراً حثيثاً سلمياً في طريق الأخذ بأساليب الغرب ونظمه، ولحال أخذها بها دون سقوط الأسرة المالكة وتدهور الأمة في هاوية الفوضى والشقاء.