وبعد أن عاد إلى وطنه (في أبريل ١٧٦٦) بدأ تراسله الطويل مع مدام دودفان. وسنرى فيما بعد كيف أقلقه الخوف من أن تجعله محبتها له هزءاً، ومع ذلك فأغلب الظن أن رغبته في أن يراها من جديد هي التي حملته على العودة إلى باريس في ١٧٦٧ و١٧٦٩ و١٧٧١ و١٧٧٥. وقد أنساه حبها عمره، غير أم موت جراي (٣٠ يوليو ١٧٧١) ذكره بفنائه هو. ولكنه أدهش نفسه بأن عمر حتى ١٧٩٧. ولم تكن له هموم مالية، فدخله في ١٧٨٤ كان ٨. ٠٠٠ جنيه (٢٠٠. ٠٠٠ دولار؟) في السنة (٤٢)، وفي ١٧٩٦ ورث لقب اللورد أكسفورد. ولكن النقرس الذي أبتلى به منذ كان في الخامسة والعشرين ظل ينغص عليه عيشه إلى النهاية. ونقرأ أن كتلاً متجمعة من "الطباشير" كانت أحياناً تتفجر من أصابعه (٤٣). وبات هزيلاً معوق الحركة في سنواته الأخيرة، وأقتضت حالته أن يحمله الخدم أحياناً من حجرة إلى حجرة، ولكنه واصل العمل والكتابة، وكان الزوار إذا ألموا به يعجبون لبريق الاهتمام في عينيه، وليقظة مجمالاته، ومرح حديثه، ونشاط ذهنه وصفائه. وكان كبار القوم يلمون به كل يوم تقريباً ليروا بيته المشهور ومجموعة تحفه المتنوعة، ومنهم هانا مور في ١٧٨٦، والملكة شارلوت في ١٧٩٥.
ولكن رحيله عن هذه الدنيا لم يكن في ستروبري هل، بل في بيته اللندني بميدان باركلي، وكان ذلك في ٢ مارس ١٧٩٧ في عامه الثمانين. ويبدو أنه كان نادماً على احتواء مذكراته ورسائله لكثير من الفقرات اللاذعة، لذلك أمر بأن تحبس مخطوطاته في صندوق لا يفتح "حتى يطالب بفتحه ايرل ولد جريف الأول عند بلوغه الخامسة والثلاثين"(٤٤) وعليه لا تنشر المذكرات إلا في عام ١٨٢٢ أو بعده، حين يكون كل الذين قد يتأذون منها قد فارقوا الحياة. وقد نشرت بعض الرسائل في ١٧٧٨، ومزيد منها في ١٨١٨ و١٨٢٠ و١٨٤٠ و١٨٥٧ … وفي العالم القارئ للإنجليزية طولاً وعرضاً رجال ونساء قرأوا كل كلمة وردت في تلك الرسائل، وهم يقدرونها فيما يقدرون من أبهج ما خلفه القرن المنير من تراث.