"أعظم بل ربما أرهب مشهد في تاريخ الإنسان"(٦٧). وبعد أن ألم بنابلي، وبادوا، والبندقية، وفتشنتسا، وفيرنا، عاد إلى لندل بطريق تورين وليون وباريس ("أسبوعان سعيدان آخران") (٢٥ يوليو ١٧٦٥).
وكان يقضي معظم وقته الآن في بوريتون، لذلك سمح لنفسه بأن يتلهى بالبدء في كتابة تاريخ لسويسرا بالفرنسية. فلما رأى هيوم المخطوطة في لندن، كتب إلى جبون (٢٤ أكتوبر ١٧٦٧) يرجوه أن يستعمل الإنجليزية ويتنبأ بأن الإنجليزية ستبز عما قريب الفرنسية انتشاراً ونفوذاً، ثم نبه جبون إلى أن استعماله للفرنسية أسلمه "إلى أسلوب فيه من الشاعرية والمجاز والإسراف في التلوين أكثر مما تسمح به لغتنا في المؤلفات التاريخية"(٦٨). وقد اعترف جبون بعد ذلك قائلاً "أن عاداتي القديمة … شجعتني على أن أكتب بالفرنسية لقارة أوربا، ولكنني أنا نفسي كنت شاعراً بأن أسلوبي، الذي كان يعلو على النثر ويدنو عن الشعر، وقد انحدر إلى أسلوب خطابي طنان شديد الأطناب"(٦٩).
وخلف له موت أبيه (١٠ نوفمبر ١٧٧٠) ثروة وفيرة. وفي أكتوبر ١٧٧٢ اتخذ مقامه الدائم في لندن. "وما أن أستقر بي المقام في بيتي ومكتبي حتى اضطلع بتأليف المجلد الأول من تاريخي"(٧٠).
وقد سمح لنفسه بألوان كثيرة من الترفيه- أمسيات في بيت هوايت، واختلاف إلى "نادي" جونسن، ورحلات إلى برايتن، وباث، وباريس. وفي ١٧٧٤ أنتخب عضواً في البرلمان عن "دائرة جيب" يتحكم فيها قريب له. وقد لزم الصمت وسط المناقشات التي دارت في مجلس العموم. وكتب (٢٥ فبراير ١٧٧٥) يقول "ما زلت صامتاً. أن الأمر أرهب مما تصورت، فحول الخطابة يملأونني يأساً، وأضعفهم يملأنني رعباً"(٧١). غير أن "الدورات الست التي قضيتها في البرلمان كانت لي مدرسة علمتني الحكمة المهذبة، وهي أولى فضائل المؤرخ وألزمها"(٧٢) وحين اكتنفه الجدل حول أمريكا، صوت بانتظام في جانب سياسة الحكومة، ووجه للأمة الفرنسية "مذكرات تبريرية"(١٧٧٩) بسط فيها حجج إنجلترا ضد مستعمراتها