للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الامتداد الجغرافي والتنظيم العسكري والبناء الاجتماعي والتكوين القانوني للإمبراطورية الرومانية عند موت مرقص أوريليوس (١٨٠م) وفي رأي جبون أن السنين الأربع والثمانين السابقة لهذا التاريخ قد شهدت الإمبراطورية في أوج كفاية موظفيها ورضى شعوبها.

" لو أن إنساناً إليه أن يحدد فترة في تاريخ العالم كانت فيها حال النوع الإنساني غاية في السعادة والرخاء، لاختار دون تردد الفترة التي امتدت من وفاة دوميشيان (٩٦) إلى تولي كومودس (١٨٠). فقد كان ملك الإمبراطورية الرومانية الشاسع محكوماً بسلطة مطلقة، وبهدى من الفضيلة والحكمة. وكانت الجيوش تضبطها يد أربعة أباطرة متعاقبين، جمعت بين الحزم والرفق، وهم حكام فرضت شخصياتهم وسلطتهم الاحترام التلقائي. وصان أشكال الإدارة المدنية في عناية ودقة الأباطرة نيرفا، وتراجان، وهادريان، والانطونيان، هؤلاء الذين كانت صورة الحرية مبعث ابتهاج لهم، وسرهم أن يروا أنفسهم خدام القوانين والمسئولين … ولقيت جهود هؤلاء الملوك خير جزاء في فخر الفضيلة الحق، والبهجة العميقة، يستشعرونها حين يرون السعادة العميقة التي كانوا صناعها" (٧٨).

غير أن جبون أدرك "تزعزع السعادة التي تعتمد بالضرورة على خلق رجل واحد. ولعل اللحظة القاضية كانت وشيكة، حين يسيء فتى إباحي أو طاغية حسود .. استعمال السلطة المطلقة" (٧٩). لقد كان "الأباطرة الصالحون" تنتخبهم ملكية متبنية- فكل حاكم يورث سلطانه لعضو مختار ومدرب من حاشيته. وقد سمح مرقص أوريليزس بأن يرث السلطة الإمبراطورية ابنه الحقير كومودس، وأرخ جبون اضمحلال الإمبراطورية منذ توليه العرش.

ثم ذهب جبون إلى أن ظهور المسيحية أعان على ذلك الاضمحلال. وهنا تخلى عن اتباع رأي مونتسكيو الذي لم يقل شيئاً كهذا في كتابه "عظمة الرومان وانحطاطهم"، إنما اتبع فولتير، وكان موقفه عقلانياً خالصاً، فقد تجرد من أي ميل للنشوة الصوفية أو الإيمان المملوء بالرجاء،