انتصار الهمجية والدين" (٩٩). ولم ير في العصور الوسطى غير الفجاجة والخرافة وهو ما رآه فيها فولتير، أستاذه الذي لم يقر بفضله. وقد صور حالة الخراب التي آلت إليها روما في ١٤٣٠ واستشهد برثاء بودجو لها إذ قال "ليت شعري أي خطب دهي بهاء الدنيا هذا! لشد ما انهار، وتغير، وشاه منظراً! "- رأى خراب الآثار والفن الكلاسيكيين أو تهدمهما، وساحة روما وقد حجبها نمو الحشائش واحتلتها الماشية والخنازير. واختتم جبون في حزن بهذه العبارة "وسط خرائب الكابتول خطر لي لأول مرة خاطر القيام بهذا العمل الذي أبهج ودرب عشرين سنة من حياتي تقريباً، عمل أسلمه في النهاية إلى فضول جمهور القراء وصراحتهم أياً كان قصوره عن أن يدرك مرامي". وقد استحضر في "مذكراته" تلك الساعة، ساعة الخلاص المفعمة بالمشاعر المتناقضة:
"وفي عشية السابع والعشرين من يونيو ١٧٨٧، بين الحادية والثانية عشرة، كتبت آخر السطور في آخر صفحة، في مظلة صيفية في حديقتي، وبعد أن وضعت قلمي تجولت مرات … في ممشى مغطى من أشجار السنط، يشرف على مشهد يجمع بين الريف، والبحيرة، والجبال … ولست أريد إخفاء مشاعر الفرح التي غمرتني لاستعادتي حريتي، وربما لتوطيد شهرتي. ولكن سرعان ما أذلت كبريائي وأشاعت في عقلي اكتئاباً هادئاً، فكرة فراقي فراق الأبد لرفيق قديم أنيس، وأنه أياً كان مصير كتابي مستقبلاً، فإن حياة المؤرخ لا محالة قصيرة مزعزعة" (١٠٠).
جـ- الرجل
وصف المسيو بافيار جبون وهو في السادسة عشرة بأنه "جسد قصير نحيل يعلوه رأس كبير" (١٠١). وإذ كان يكره الرياضة ويحب الطعام (١٠٢)، فإنه سرعان ما اكتسب استدارة في الجسم والوجه، وأصبح له كرش محترم يعتمد على ساقين نحيلتين، أضف إلى ذلك شعراً أحمر جعده من الجنب وعقصه من الخلف، وقسمات ملائكية لطيفة، وأنفاً دقيقاً، وخدين منتفختين، وذقناً ملغداً، وأهم من ذلك كله جبين عريض عال يعد بـ "إنجازات