كتاب قصة الحضارة

المسرح الأدبي - ٦ - تشاترتن وكوبر - ج: 42 - ص: 245

لقد هرب تشاترتن من واقع برستل ولندن والكئيب عن طريق أساطير العصر الوسيط والزرنيخ. أما وليم كوبر فقد هرب لندن التي عشقها جونسن إلى البساطة الريفية، والإيمان الديني، والجنون الدوري. وقد رأى جده من تهمة القتل وأصبح قاضياً، وكان أبوه قسيساً أنجليكانياً. وأمه تنتسب إلى الأسرة التي أنجبت جون دن. وقد ماتت وهو في السادسة، مخلفة له ذكريات حزينة لحد بها حبها، وحين أرسل له ابن عم له بعد ثلاثة وخمسين عاماً صورة قديمة لأمه استعاد في قصيدة رقيقة (١٤٦) تلك الجهود التي كثيراً ما بذلتها المخاوف التي أظلمت ليالي طفولته.

وقد انتقل من هاتين اليدين الرقيقتين في عامه السابع إلى مدرسة داخلية أصبح فيها المسخر الجبان لطالب متنمر أرهقه بكل ثقيل مذل من الواجبات. وأصيب بالتهاب في عينيه، فاضطر أن يظل أعواماً تحت رعايا رمدي. وفي ١٧٤١، حين بلغ العاشرة، بعث إلى مدرسة وستمنستر في لندن. وبدأ في السابعة عشرة الاشتغال ثلاثة أعوام كاتباً في مكتب محام بهوبورن. واكتمل الآن نضجه للرومانس، وكانت ابنة عمه تيودورا كوبر تعيش بقربه، فغدت معبودة أحلام يقظته. وحين بلغ الحادية والعشرين اتخذ له مسكناً في "المدل تمبل"، وفي الثالثة والعشرين سمح له بالاشتغال بالمحاماة. وإذ كان كارهاً للقانون، شديد الإحجام أمام المحاكم، فقد ابتلى بحالة من الوهم المرضي، ازدادت عمقاً حين نهى تيودورا أبوها عن أي اتصال بابن عمها. ولم يرها كوبر بعدها قط، ولم ينسها قط، ولم يتزوج قط.

وفي ١٧٦٣، حين واجه ضرورة المثول أمام مجلس العموم، انهارت أعصابه، واختلط عقله، وحاول الانتحار. وأرسله بعض أصحابه إلى مستشفى للأمراض العقلية في سانت أولبنز. وأفرج عنه بعد ثمانية عشر شهراً، وآثر العيش في هنتنجدن قرب كمبردج معتزلاً الناس تقريباً. وقال إنه الآن "لا يرغب في أي صحبة إلا صحبة الله والمسيح" (١٤٧). وقد قبل العقيدة الكلفنية بحذافيرها، وأطال التفكير في الخلاص والهلاك الأبدي. وألقت به الصدفة السعيدة بين يدي أسرة محلية كان إيمانها مجلبة للسلام والرحمة لا للخوف، وأفرادها هم القس مورلي أنوين، وزوجته ماري.