الصبي التاسعة أشرف على الموت من الجدري، وزاد هذا المرض على ذلك تشويهاً ابتلى به وجهه من أقل الوجوه حظاً من الوسامة وهب لروح لطيفة محببة. وفي الخامسة عشرة التحق بكلية ترنتي في دبلن طالباً معاناً، يرتدي ثوباً يميزه، ويؤدي خدمات حقيرة، ويلاحقه معلم مستبد بمضايقاته. فهرب إلى كورك، مزمعاً أن يحاول الرحلة إلى أمريكا، غير أن أخاه الأكبر منه "هنري" أدركه ولاطفه فاقتنع بالعودة إلى الكلية. وتفوق أولفر في الدراسات الكلاسيكية، غير أن دراسة العلوم استعصت عليه، ولكنه على أي حال أفلح في نيل درجة البكالوريوس.
ثم تقدم بطلب لوظيفة كنسية صغيرة، ولكنه أدهش الأسقف بما ارتداه من سراويل قرمزية واشتغل معلماً خاصاً بعد أن رفض طلبه، وتشاجر مع تلميذه، ويمم ثانية شطر كورك وأميركا. فتدخل في الأمر عم له أقرضه خمسين جنيهاً ليذهب إلى لندن، وخسر أولفر المبلغ كله في بيت للقمار. وقد أفزع أقرباءه لما لحظوا فيه من عجز وقلة حيلة، ولكن سحرهم مرحه ونايه وأغانيه. وجمع له بعض المال للإنفاق على دراسته الطب في إدنبرة ثم في ليدن. وقد حقق بعض التقدم، ويقص علينا أنه كان في باريس يختلف إلى محاضرات روويل في الكيمياء. ثم انطلق على مهل (١٧٥٥) يتجول في أنحاء فرنسا، وألمانيا، وسويسره، وشمالي إيطاليا، يعزف على نايه في المراقص الريفية، ويظفر بوجبات طعام كيفما اتفق له، ويتلقى الصدقات على أبواب الأديرة (١٥٩). ثم عاد إلى إنجلترا في يناير ١٧٥٦ ومارس الطب في لندن، وصحح تجارب الطبع لصموئيل رتشردسن، واشتغل معلماً بمدرسة في صري، ثم استقر في لندن كاتباً مأجوراً يقوم بأشتات من الأعمال الدبية غير المنتظمة ويكتب المقالات للمجلات. وقد كتب في أربعة أسابيع "حياة فولتير". وفي ١٧٥٩ أقنع ددسلي بأن ينشر كتاباً سطحياً اسمه "تحقيق في أحوال الثقافة الراقية في أوربا". وقد أساءت تعليقات التحقيق حول مديري المسارح إلى جاريك إساءة لم ينسها قط. وزعم هذا التحقيق أن عصور الأدب الخلاق تنحو إلى أن تتلوها عصور نقد، وتستنبط قواعد من أعمال المبدعين، وتنزع إلى تقييد أسلوب الشعراء الجدد وتعويق خيالهم. وقد رأى جولدسمث أن أوربا كانت تمر بهذه الحال في ١٧٥٩.