للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جداً أن تجعل السمك يتكلم كالسمك، ثم قال لجونسن "وليس هذا بالأمر اليسير كما تحسبه، لأنك لو شئت أن تجري الكلام على ألسنة السمك الصغير لتكلم كله كما تتكلم الحيتان" (١٦٦). وكان "الدب الأكبر" يخمشه ببراثنه أحياناً في قسوة، ولكنه أحبه رغم ذلك، وقد رد جولدسمث المحبة بمثلها رغم حسده جونسن على تفوقه في فنون الحديث. ولم يكن جولدسمث قد نظم معارفه ورتبها قط، ولم يكن في استطاعته الرجوع إليها بسرعة أو ذكاء، قال جاريك "كان يكتب كما يكتب الملاك، ويتحدث كما يتحدث بل المسكين" (١٦٧). أما بوزويل فكان ينزع إلى الغض من قدر جولدسمث، ولكن كثيراً من معاصريه- كرينولدز، وبير، وولكس، وبرسي- احتجوا على هذا الغض لما فيه من ظلم (١٦٨). وقد لوحظ أن جولدسمث كثيراً ما كان يحسن الحديث في الاجتماعات التي تغيب عنها جونسن (١٦٩).

وكانت لهجته في الحديث، وعاداته، ومظهره- كلها تعاكسه. فهو لم ينس قط لهجته الإيرلندية. وكان شديد الإهمال لهندامه، يلهو أحياناً يلبس الملابس الزاهية المتعددة الألوان المتناقضة المظهر. وكان مغروراً مزهواً بما حصل من ألوان الثقافة، ولم يعترف بتفوق جونسن عليه كاتباً. وكان طوله خمسة أقدام وخمس بوصات، وقد غاظه طول جونسن وضخامته. وكانت طبيعته الطيبة تشرق من خلال وجهه القبيح. والصورة التي رسمها له رينولدز لم تخلع عليه جمالاً، فهنا شفتان غليظتان، وجبين متراجع، وأنف ناتئ، وعينان قلقتان. وقد زاد الرسامون الكاريكاتوريون أمثال هنري بنبري فم أولفر اتساعاً وأنفه طولاً، ووصفته صحيفة "اللندن باكت" بأنه أورانجوتان (١٧٠)، وسرت في المدينة عشرات القصص عن أخطائه الفاضحة في حديثه وسلوكه، وعن حبه المستور للحسناء ماري هورنك.

أما أصدقاؤه فكانوا عليمين بأن عيوبه سطحية، تخفي روحاً من الود، والمحبة، والكرم الذي كاد يدمر صاحبه، وحتى بوزويل وصفه بأنه "أعظم من وجد من الرجال سماحة قلب، أما وقد أتيح له الآن قدر كبير من الذهب مما غلته مسرحياته الفكاهية، فإن جميع المعوزين يعتمدون عليه" (١٧١). فإذا لم يعد لديه من المال ما يعطيه اقترض ليسد مطالب الفقراء