ويحكم أهلها في بعض الأحيان (١). وحرمت الصين من حكومة تعترف بها جميع أجزائها، ومن ملكية كانت رمز وحدتها، ونبذت عادة الطاعة والخضوع لتقاليدها وشرائعها؛ وهي من بداية أمرها ضعيفة النزعة الوطنية التي تربط النفس بالوطن كله لا بالإقليم الذي يعيش فيه، فشبت فيها نار حرب متقطعة بين الجنوب والشمال تارة، وبين طائفة وطائفة تارة أخرى، ثم بين السراة والجياع، وبين الشيوخ والشبان. وقام المغامرون يجيشون الجيوش ويفرضون سلطانهم على الولايات النائية يجبون منها الضرائب ويزرعون الأفيون (١٥) ويخرجون بجنودهم من حين إلى حين ليضموا ضحايا جدداً إلى رعاياهم المساكين. واضطربت أحوال الصناعة والتجارة واضمحلت لكثرة ما كان يفرضها عليها قائد منتصر بعد قائد. وأخذ اللصوص وقطاع الطريق يفرضون الإتاوات، وينهبون ويقتلون، لأنهم لا يجدون قوة منظمة تقف في وجههم وتضرب على أيديهم. ووجد الناس في التلصص والجندية وقاية لهم من الهلاك جوعاً، وكثيراً ما كان هذا القائد أو ذاك المنسر من اللصوص يداهم أسرة مقتصدة فيسلبها ما ادخرته طول حياتها من المال أو ما جمعته من المتاع. وحسبنا تصويراً لهذه الحال أن عدد قطاع الطريق في ولاية هونان وحدها قد بلغ في عام ١٩٣١ م- ٠٠٠ ر ٤٠٠ (١٦) أو يزيدون.
وبينما كانت هذه الفوضى ضاربة إطنابها في البلاد أرسلت الروسيا في عام ١٩٢٢ م اثنين من أقدر ساستها هما كرخان وجف ليضما الصين إلى نطاق الثورة الشيوعية. ومهد كرخان لعمله هذا بنزول الروسيا عمالها من امتيازات في الصين، وبتوقيع معاهدة تعترف فيها بشرعية حكومة الثورة وبمركزها الدولي. ولم يجد جف الداهية صعوبة ما في أن يستميل صون يات- صن إلى الشيوعية لأن جميع السلطات الأخرى كانت قد نبذته، ولم يمض إلا وقت قصير حتى تكون جيش وطني جديد ودرب بمعونة سبعين من الضباط السوفيت. وزحف هذا
(١) ومات في بيكين عام ١٩٢٥ م في أحسن الفرص التي أتيحت لأعدائه المحافظين.