بقولك أن ميتاً ما قال كذا وكذا عن شخص حي" (١٧٢). ووجد آخرون أن التفاصيل مسرفة، وأن كثيراً من الرسائل تافهة، وأن بعض الصفحات مملة. ولم تدرك إنجلترا إلا شيئاً فشيئاً أن بوزويل قد أبدع رائعة من الروائع، وأنه أسبغ على حياته شيئاً من النبل والسمو.
وكان أبوه قد مات في ١٧٨٢ مخلفاً إياه سيداً على أوخنلك بدخل بلغ ١. ٦٠٠ جنيه في العام وقد أثبت أنه سيد عطوف رقيق الفؤاد، ولكنه كان قد ألف حياة الحضر إلفاً إطالته المكث في أوخنلك. وفي ١٧٨٦ صرح له باحتراف المحاماة في إنجلترا، وبعدها أنفق معظم وقته في لندن. وقد صوره رينولدز في ذلك العام-رجلاً واثقاً من نفسه، متغطرساً، له أنف كفيل بأن يستل أي سر من صاحبه. وكانت زوجته تصحبه أحياناً إلى لندن، ولكنها كانت تقيم في أوخنلك عادة. وفيها ماتت عام ١٧٨٩ بالغة الحادية والخمسين، بعد أن أضنتها العناية التي بذلها لبوزويل وأبنائه. وقد عمر بعدها ست سنين-كانت سني انحلال متعاظم. فلقد حاول مراراً وتكراراً أن يقهر حاجته إلى الشراب ولكنه أخفق. ومات بلندن في ١٩ مايو ١٧٩٥، بالغاً السادسة والخمسين، ونقل جثمانه إلى أوخنلك ليدفن فيها. وأوزاره ماثلة اليوم في أذهان جماهير الناس. ولكننا سننساها حين نقرأ مرة أخرى السيرة التي هي أعظم السير طراً.
هذا لول رجعنا البصر إلى هذا القرن الثامن عشر في الأدب الإنجليزي، لأدركنا أنه قبل كل شيء قرن النثر، من أديسن، وسويفت، وديفو، إلى ستيرن، وجبون، وجونسن، تماماً كما كان القرن السابع عشر قرن الشعر، من "هاملت" ودن إلى درادين والفردوس المفقود. وكان صعود العلم والفلسفة، وهبوط الذين والغيبيات، وإحياء الوحدات والقيود الكلاسيكية، كل هذا برد من حرارة الخيال والآمال، وعطل من تدفقهما، وكان انتصار العقل هزيمة للشعر، في فرنسا وفي إنجلترا على حد سواء. بيد أن ما اتسم به أدب إنجلترا النثري في القرن الثامن عشر من حيوية وتنوع عوض تعويضاً وافياً عن الشكلية الجامدة التي سادت شعره. وبفضل