رتشاردسن وفيلدنج أصبحت الرواية، التي كانت قبلهما سلسلة إبيزودية من مغامرات المتشردين والشطار، وصفاً للحياة ونقداً لها، ودراسة للعادات، والأخلاق، والشخصيات، هي أكثر إثارة من سجلات المؤرخين، الذين تاه منهم الناس وسط الدولة. ثم أي تأثير أدبي يمكن أن يضارع في ذلك الأثر تأثير رتشاردسن على بريفو، وروسو، وديدرو، وجوته؟
وإذا كان أدب إنجلترا في القرن الثامن عشر لم يستطع مطاولة أدب القرن السابع عشر، أو منافسة الخيال الأليزابيثي المحلق، فإن حياة إنجلترا بجملتها استعادت حركتها صعداً بعد إخفاق الشجاعة والسياسة القوميتيين في عهد عودة الملكية. فلم تشعر إنجلترا منذ هزيمة الأرمادا بمثل هذا التدفق في المغامرة السياسية، وقد شهدت الأعوام الواقعة بين صعود شاتام ومت ابنه الثورة الصناعية تحل إنجلترا مكاناً أسبق كثيراً من منافسيها في روح الابتكار والقوة الاقتصاديين، وشهدت البرلمان الإنجليزي يغزو القارات وهو يكبح أثناء ذلك جماح ملوكه. فالآن بنيت الإمبراطورية البريطانية المترامية، والآن تجاوبت قاعات مجلس العموم بالخطب البليغة التي لم تسمعها أوربا منذ أيام شيشرون. وبينها كانت فرنسا تنزح خزائنها لتحرر أمريكا، وتضرب عنقها لتحقق أحلامها، وشحذت إنجلترا كل مواردها من فكر وإرادة لتتطور دون ثورة، ولتلج أبواب القرن التاسع عشر في الاقتصاد والحكم مكللة بالنصر متبوئة أسمى مكان.