وكانت الإمبراطورة التي أضنتها الهموم عليمة بأنها تكل مصير الحلف لأيد أوهن من أن تضطلع بتبعة كهذه. وظلت طوال شهرين قبل إبرام الزواج المرتقب تأتي بماريا أنطونيا لتنام معها في حجرتها، حتى تبث في ابنتها في جو أمسياتهما الحميم شيئاً من حكمة الحياة وفن الملك. وقد وضعت لها قائمة قواعد لتهدئ سلوكها في الأخلاق والسياسة. وكتبت للويس الخامس عشر ترجوه أن يغضى عن مآخذ العروس العزيزة التي ستبعث بها لحفيده، أما ولي العهد فقد وجهت إليه رسالة تفيض باهتمام الأم المفرط ومخاوفها:
"أن لآمل أن تكون مبعث سعادة لك كما كانت مبعث بهجة لي. لقد نشأتها لهذا، لأنني توقعت منذ أمد بعيد أنها ستشاركك حظك في الحياة. لقد بثثت فيها حباً لواجباتها نحوك .. ومودة رقيقة، وقدرة على أن تعرف وتمارس وسائل إدخال السرور على قلبك. إن ابنتي ستحبك، وأنا واثقة من هذا، لأنني أعرفها .. وداعاً يا دوفيني العزيز، كن سعيداً، وأسعدها … أن الدموع تفيض مني … أمك الحنون"(٨).
وفي ١٩ ابريل ١٧٧٠، في كنيسة الأوغسطينيين بفيينا، عقد بالوكالة قران الفتاة المتألقة الحسن، الخلية البال، البالغة أربعة عشر عاماً، على لوي-أوجست ولي عهد فرنسا، واتخذ أخوها فرديناند مكان الدوفن.
وبعد يومين قادت قافلة من سبع وخمسين مركبة و٣٦٦ جواداً ولية العهد مروراً بقصر شونبرون، وودعتها الإمبراطورة الوداع الأخير، هامسة لها أن "تكوني كريمة جداً مع الفرنسيين حتى يستطيعوا القول بأنني أرسلت لهم ملاكاً"(٩). وضم الموكب ١٣٢ شخصاً-وصيفات ومصصفات للشعر، وخياطات. وأتباعاً، وكهنة للقصر، وجراحين، وصيادلة، وطباخين، وخدماً، وخمسة وثلاثين رجلاً ليعنوا بالخيل التي كانت تبدل أربع مرات أو خمساً في اليوم خلال الرحلة الطويلة إلى فرنسا. وبعد ستة عشر يوماً وصل الموكب إلى كيل على الرين قبالة ستراسبورج. وعلى جزيرة في النهر استبدلت ماريا بثيابها النمساوية ثياباً فرنسية، وتركها أتباعها النمساويين قافلين إلى فيينا، وحل محلهم حاشية من السيدات والخدم الفرنسيين، وأصبحت ماريا