نقلها إليها من أصعب الأمور لأن البلاد لا تزال جد فقيرة في وسائل النقل، حتى أن نقل البضائع بين الأقاليم الداخلية والمقاطعات الساحلية يتطلب من النفقات أكثر مما يتطلبه نقلها إلى ثغور الصين من أستراليا أو الولايات المتحدة. ولقد تبين لأهل البلاد أن نمو الحضارة من الناحية الاقتصادية موقوف على سهولة سبل النقل ووسائل الاتصال. من أجل ذلك أنشئت طرق برية يبلغ طولها نحو عشرين ألف ميل تسير عليها ستة آلاف مركبة حافلة سيراً غير منتظم مملوءة على الدوام بالركاب. فإذا ما ارتبطت هذه القرى التي يخطئها الحصر بالسيارات السريعة فإن ذلك يحدث في الصين أعظم تغيير شهدته في تاريخها الطويل وهو القضاء حتى على القحط الذي طالما هددها وأفنى الكثيرين من أهلها.
هذا في القرى أما في الحواضر فإن انتصار الأساليب الغربية يسير بخطى أسرع وأيسر، فالحرف اليدوية أخذت في الزوال بتأثير منافسة السلع الرخيصة السهلة النقل المستوردة من خارج البلاد. وقد تعطل لهذا السبب آلاف من الصناع، ولكن المصانع الآلية التي أنشئت على طول السواحل بمعونة رؤوس الأموال الأجنبية والوطنية تبتلعهم ابتلاعاً سريعاً، وقد سكت صوت الأنوال اليدوية في المدن وإن كانت لا تزال تدور في الريف، وغمر القطن والمنسوجات القطنية أسواق البلاد، وشيدت مصانع النسيج لتجعل من فقراء الصين عبيداً مسخرين للآلات، وأقيمت في هانجتشاو أفران لصهر المعادن لا تقل ضخامة وروعة عن مثيلاتها في البلاد الغربية، ووضعت مشروعات هائلة لإنشاء مخابز ومصانع لحفظ الطعام ولصنع الأسمنت والورق والصابون والشمع وتكرير السكر، وهي تعمل رويداً رويداً على تحويل العامل الصيني اليدوي إلى صانع ومشرف على الآلات. لكن الصناعات الجديدة يعوق نموها السريع تردد أصحاب رؤوس الأموال في أن يستثمروها في بلاد لا تنقطع فيها الثورات، ويلاقون فيها صعاباً جمة من جراء نقص وسائل النقل وكثرة نفقاتها وقلة المواد في داخل