للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلاد، ومن جراء تمسك الصينيين بتلك العادات الجميلة عادة الولاء للأسرة قبل الولاء لكل ما عداها من الجماعات، والتي تجعل كل مكتب من مكاتب الموظفين وكل مصنع معششاً للأقارب والعاجزين عن أداء عمل من الأعمال (١٩). والتجارة يعوقها فضلاً عن هذا ما يفرض عليها من الضرائب في داخل البلاد ومن الرسوم الجمركية والرشاوي وضروب الاغتصاب، وإن كانت مع ذلك تنمو أسرع من نمو الصناعة وتضطلع بدور خطير في تحول الصين الاقتصادي (١).

وقد قضت الصناعات الجديدة على نقابات أرباب الحرف القديمة وأحدثت كثيراً من الاضطراب والفوضى بين العمال وأرباب الأعمال. ذلك أن هذه النقابات كانت تعيش بفضل ما تبذله من الجهود لتحديد أجور العمال وأثمان البضائع بالتوفيق بين الملاك والمنتجين الذين لم يكن لمنتجاتهم ما ينافسها في التجارة المحلية. فلما أن اتسع نطاق التجارة بزيادة وسائل النقل، وجاءت البضائع من البلاد البعيدة تنافس في جميع المدن بضائع النقابات المصنوعة باليد، تبين لها أن ليس في استطاعتها أن تشرف على الأسعار أو تحدد الأجور من غير أن تخضع في ذلك إلى أوامر المتنافسين الأجانب وإلى رؤوس الأموال الأجنبية. ومن أجل هذا تفككت النقابات وتقسمت إلى غرف تجارية من جهة وإلى اتحادات للعمال من جهة أخرى. فالغرف تعنى بالنظام والولاء لأصحاب الأعمال وبالحرية الاقتصادية، والعمال يعنون بأجورهم المنخفضة التي تكاد تميتهم جوعاً. وقد كثر الإضراب والمقاطعة ولكن هذين قد أفلحا في إرغام أرباب الأعمال من الأجانب على التسليم للحكومة الصينية ببعض الامتيازات أكثر مما أفلحا في رفع


(١) كانت بريطانيا العظمى في وقت من الأوقات هي المسيطرة على تجارة الواردات، أما الآن فإن لها فيها نحو ١٤% وللولايات المتحدة ١٧% ولليابان ٢٧%، ولا يزال مركز اليابان في هذه التجارة يقوى عاماً بعد عام. وقد تضاعفت تجارة الصين فيما بين ١٩١٠ م، ١٩٣٠ م فبلغت ٦٠٠% وتقدر قيمتها بما يقرب من نصف بليون من الدولارات. غير أن الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان قد بدلتا من مركزها في هذه التجارة.