وطلب النظارة إعادة الأبيات، فأعيدت. وخلال التصفيق غادر فولتير كرسيه، وأفسح له الجمع الطريق، وقاده إلى مركبته وسط جمهور يفيض حماسة. وجئ بالمشاعل، وأقنعوا السائق بأن يبطئ السير بالمركبة، وصاحبها جمع حتى الأوتيل دفيليت (٢٩). أن تاريخ الأدب الفرنسي بأسره لم يحو قط فيما نعلم مشهداً كهذا.
كتبت مدام فيجيه-لبرون التي شهدت هذا كله تقول:"كان الشيخ الذائع قد شف وهزل حتى لقد خشيت أن تؤذيه هذه العواطف الجياشة أذى مميتاً"(٣٠).
ونصحه ترونشان بالعودة إلى فرنيه بأسرع ما يستطيع، ولكن مدام دني رجت خالها أن يجعل في باريس مقامه الدائم. فوافقها بعد أن أسكرته حرارة استقباله. وامتدح شعب باريس لأنهم أكثر شعوب الأرض مرحاً، وأدباً، واستنارة، وتسامحاً، ولأن لهم أرفع الأذواق، والملاهي، والفنون (٣١)، ونسي "الرعاع" لحظة، وراح يجوب باريس في مركبته باحثاً عن بيت يسكنه، وفي ٢٧ أبريل اشترى بيتاً. واستشاط ترونشان غيظاً وقال "لقد رأيت حمقى كثيرين في حياتي، ولكن لم أر قط أكثر منه جنوناً. فهو يحسب سيعمر مائة عام"(٣٢).
وفي ٧ أبريل أخذ فولتير إلى محفل "الأخوات التسع" الماسوني فقبل عضواً دون أن يلزم باجتياز المراحل التمهيدية المألوفة. وكلل رأسه بأكليل من الغار، وألقى رئيس المحفل خطاباً قال فيه: "إننا نقسم بأن نساعد اخوتنا، ولكنك كنت المؤسس لمستعمرة كاملة تعبدك وتفيض باحساناتك … لقد