كنت أيها الأخ المحبوب جداً ماسونياً قبل أن تنال الرتبة، وقد حققت التزامات عضو الماسونية قبل أن تتعهد بالوفاء بها" (٣٣). وفي اليوم الحادي عشر رد زيارة مدام دودفان فذهب ليراها في شقتها بدير سان-جوزيف، وتحسست وجهه بيديها المبصرتين. فلم تجد غير العظام، ولكنها كتبت في اليوم الثاني عشر إلى هوراس ولبول تقول: "أنه يفيض حيوية كالعهد به دائماً. وهو في الرابعة والثمانين، والحق أنني أحسبه لن يموت أبداً. وهو يستمع بجميع حواسه، ولم تضعف منها واحدة. أنه مخلوق فذ، وأسمى في الحقيقة بكثير من سائر الخلق" (٣٤). فلما سمع الراهبات بزيارته نددن بالمركيزة لتدنيسها ديرهن بحضور رجل أدانت الكنيسة والدولة جميعاً (٣٥).
وفي ٢٧ أبريل ذهب إلى الأكاديمية مرة اخرى. ودارت المناقشة حول ترجمة الأبيه دليل لكتاب بوب "رسالة إلى الدكتور أريثنوت"، وكان فولتير قد قرأ الأصل، فهنأ الأبيه على ترجمته، واغتنم الفرصة ليقترح مراجعة "قاموس" الأكاديمية إثراء للغة المعتمدة بمئات الألفاظ الجديدة التي شقت طريقها إلى الاستعمال المهذب. وفي ٧ مايو عاد إلى الأكاديمية بخطة للقاموس الجديد. وتطوع بأن يضطلع بجميع الألفاظ المبتدئة بالحرف أ، واقترح أن يتكفل كل عضو بحرف، وعند رفع الجلسة شطرهم "باسم الأبجدية"، ورد المركيز رشاستللوكس "ونحن نشكرك باسم الآداب" (٣٦). وفي ذلك المساء حضر متنكراً حفلة تمثيل لمسرحيته "الزير". وفي ختام الفصل الرابع صفق النظارة للممثل لاريف، وشارك فولتير في الأعراب عن استحسانه "آه ما أروع هذا الأداء! " وتعرف عليه الجمهور، فتجددت مظاهر الحماسة العارمة التي شهدها ٣٠ مارس مرة أخرى.
ولعله خيراً فعل بالاستمتاع يتلك الأسابيع الأخيرة من حياته على حساب صحته، بدلاً من الانزواء في عقر داره وحيداً ليضيف إلى عمره بضعة أيام مؤلمة. وقد عكف بهمة عظيمة على خطته التي اقترحها لوضع قاموس جديد، وأسرف في تعاطي القهوة-فقد بلغ ما شربه من أقداحها في اليوم أحياناً خمسة وعشرين-حتى لقد جفاه النوم ليلاً. وساء حصره أثناء ذلك، وبات التبول أشد إيلاماً وقصوراً، وسرت إلى دمه العناصر السامة التي