وكان الشتاء الذي قضته الأسرة في موكان شاقاً في بيت ريفي يقع في مهب الرياح كلها. والتمست تريز منه الرحيل إلى باريس. وهكذا استأنف الزوجان أسفارهما الطويلة في ١٠ أبريل ١٧٧٠ وأنفقنا شهراً لطيفاً في ليون، حيث مثلت أوبريت روسو عراف القرية، جزءاً من احتفال أقيم تكريماً له. ثم سافرا في مراحل بطيئة مخترقين ديجون، ومونبار، وأوجزيز ثم بلغا باريس في خاتمة المطاف في ٢٤ يونيو ١٧٧٠. وأقاما في الطابق الرابع من نزله القديم في الأوتيل سانت اسبري، بشارع بلاتريير- واسمه الآن شارع جان- جاك روسو في حي من أشد أحياء المدينة ضجيجاً.
وعاش عيشة متواضعة هادئة، يتكسب بنسخ الموسيقى ويدرس النبات، وكتب الآن (٢١ سبتمبر ١٧٧١) إلى لينايوس رسالة يعرب فيها عن إجلاله (٥١). فلما ذاع أنه يقيم في باريس خف لزيارته قدامى الأصدقاء ومريدوه الجدد: الأمير لين (الذي عرض عليه بيتاً في ضيعته قرب بروكسل)، وجريتري، وجلوك (الذي حاء ليناقش الموسيقى معه). والمسرح جولدوني، والمغنية صوفي أرنو، وجوستاف ولي عهد السويد، وشباب المؤلفين من أمثال جان- جوزف دوزو، وجاك- هنري برناردان دسان- بيير. وفي ١٧٧٧ نال ما اشتهاه فولتير ولم ينله- وهو زيارة من الإمبراطور يوزف الثاني (٥٢). ورد إليه تصريح الدخول إلى دار الأوبرا مجاناً، فكان يختلف إليها من حين لحين، ليسمع جلوك على الأخص. ووصفه برناردان دسان- بيير في هذه الحقبة (وكان الآن في الستين) بأنه رقيق البدن، متناسب الأعضاء، وله "جبين عال، وعينان متقدمتان. وفي غضون الجبين حزن عميق، ومرح حاد بل كاو"(٥٣).
وقد استفزه للعودة إلى القلم- رغم وعده عام ١٧٦٢ بالكف عن التأليف - اتصال هجوم أعدائه عليه. وكان في سبيل الرد عليهم، وعلى كل ما دار حوله من شائعات معادية في باريس وجنيف، وقد اضطلع بكتابه "الاعترافات"(١٧٦٥) ومن ثم أتم الكتاب الآن (نوفمبر ١٧٧٠)، ومع أن روسو كان حتى ذلك الحين عازفاً عن نشره كاملاً، إلا أنه صمم على أن تطلع باريس على أجزائه المتصلة لهذه الهجمات. وهكذا قرأ في